الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( إذ يتنازعون ) : " إذ " ظرف ليعلموا ، أو لأعثرنا ، ويضعف أن يعمل فيه الوعد ; لأنه قد أخبر عنه .

ويحتمل أن يعمل فيه معنى " حق " .

( بنيانا ) : مفعول ، وهو جمع بنيانة ، وقيل : هو مصدر .

قال تعالى : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( ثلاثة ) : يقرأ شاذا بتشديد التاء على أنه سكن الثاء وقلبها تاء وأدغمها في تاء التأنيث ، كما تقول : ابعت تلك .

( و رابعهم كلبهم ) : " رابعهم " مبتدأ و " كلبهم " خبره . ولا يعمل اسم الفاعل هنا ; لأنه ماض . والجملة صفة لثلاثة ، وليست حالا ; إذ لا عامل لها ; لأن التقدير : هم ثلاثة ، و " هم " لا يعمل ، ولا يصح أن يقدر هؤلاء ; لأنها إشارة إلى حاضر ، ولم يشيروا إلى حاضر . ولو كانت الواو هنا وفي الجملة التي بعدها لجاز ، كما جاز في الجملة الأخيرة ; لأن الجملة إذا وقعت صفة لنكرة جاز أن تدخلها الواو . وهذا هو الصحيح في إدخال الواو في " ثامنهم " .

وقيل : دخلت لتدل على أن ما بعدها مستأنف حق ، وليس من جنس المقول برجم الظنون .

وقد قيل فيها غير هذا ، وليس بشيء .

و ( رجما ) : مصدر ; أي يرجمون رجما .

قال تعالى : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ( 23 ) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا أن يشاء الله ) : في المستثنى منه ثلاثة أوجه ; أحدها : هو من النهي ، والمعنى : لا تقولن : أفعل غدا ، إلا أن يؤذن لك في القول . والثاني : هو من فاعل ; أي لا تقولن : إني فاعل غدا ، حتى تقرن به قول : إن شاء الله . والثالث : أنه منقطع . [ ص: 145 ] وموضع " أن يشاء الله " نصب على وجهين ; أحدهما : على الاستثناء ، والتقدير : لا تقولن ذلك في وقت ، إلا وقت أن يشاء الله ; أي يأذن ; فحذف الوقت ، وهو مراد .

والثاني : هو حال ، والتقدير : لا تقولن أفعل غدا ، إلا قائلا : إن شاء الله ، فحذف القول . وهو كثير .

وجعل قوله " أن يشاء " في معنى إن شاء ; وهو مما حمل على المعنى .

وقيل : التقدير : إلا بأن يشاء الله ; أي متلبسا بقول : إن شاء الله .

قال تعالى : ( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ( 25 ) قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ( 26 ) ) قوله تعالى : ( مائة سنين ) : يقرأ بتنوين مائة . و " سنين " على هذا : بدل من ثلاث .

وأجاز قوم أن تكون بدلا من مائة ; لأن مائة في معنى مئات .

ويقرأ بالإضافة ; وهو ضعيف في الاستعمال ; لأن مائة تضاف إلى المفرد ، ولكنه حمله على الأصل ; إذ الأصل إضافة العدد إلى الجمع ، ويقوي ذلك أن علامة الجمع هنا جبر لما دخل السنة من الحذف ; فكأنها تتمة الواحد .

( تسعا ) : مفعول " ازدادوا " وزاد متعد إلى اثنين ، فإذا بني على افتعل تعدى إلى واحد .

( أبصر به وأسمع ) : الهاء تعود على الله عز وجل ، وموضعها رفع ; لأن التقدير : أبصر الله ، والباء زائدة ، وهكذا في فعل التعجب الذي هو على لفظ الأمر .

وقال بعضهم : الفاعل مضمر ; والتقدير : أوقع أيها المخاطب إبصارا بأمر الكهف ، فهو أمر حقيقة .

( ولا يشرك ) : يقرأ بالياء وضم الكاف على الخبر عن الله . وبالتاء على النهي ; أي أيها المخاطب .

التالي السابق


الخدمات العلمية