سورة محمد .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ( 1 ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ( 2 ) ) قوله تعالى : ( الذين كفروا ) : مبتدأ ، و " أضل أعمالهم " : خبره .
ويجوز أن ينتصب بفعل دل عليه المذكور ؛ أي أضل الذين كفروا ؛ ومثله : " والذين آمنوا " .
قال تعالى : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ( 4 ) ) .
[ ص: 405 ] قوله تعالى : ( فإذا لقيتم ) : العامل في " إذا " هو العامل في " ضرب " والتقدير : فاضربوا ضرب الرقاب ؛ فضرب هنا مصدر فعل محذوف ؛ ولا يعمل فيه نفس المصدر ؛ لأنه مؤكد . و ( منا ) : مصدر ؛ أي إما أن تمنوا منا ، وإما أن تفادوا فداء .
ويجوز أن يكونا مفعولين ؛ أي أولوهم منا ، أو اقبلوا فداء .
و ( حتى تضع الحرب ) : أي أهل الحرب . ( ذلك ) أي الأمر ذلك .
قال تعالى : ( ويدخلهم الجنة عرفها لهم ( 6 ) ) .
قوله تعالى : ( عرفها ) أي قد عرفها ، فهو حال . ويجوز أن يستأنف .
قال تعالى : ( والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ( 8 ) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ( 9 ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ( 10 ) ) .
قوله تعالى : ( والذين كفروا ) : هو مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : تعسوا أو أتعسوا ؛ ودل عليهما " تعسا " . ودخلت الفاء تنبيها على الخبر .
و ( لهم ) : تبيين . ( وأضل ) : معطوف على الفعل المحذوف .
والهاء في " أمثالها " ضمير العاقبة ، أو العقوبة .
قال تعالى : ( أهلكناهم فلا ناصر لهم وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ( 13 ) ) .
قوله تعالى : ( وكأين من قرية ) : أي من أهل قرية .
و ( أخرجتك ) : الكاف للقرية لا للمحذوف ، وما بعدها من الضمائر للمحذوف .
قال تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ( 14 ) ) .
قوله تعالى : ( كمن زين ) : هو خبر من .
قال تعالى : ( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن ( 15 ) ) .
قوله تعالى : ( مثل الجنة ) : أي فيما نقص عليك مثل الجنة . قوله تعالى : ( فيها أنهار ) : مستأنف شارح لمعنى المثل .
[ ص: 406 ] وقيل : ( مثل الجنة ) : مبتدأ ، و ( فيها أنهار ) : جملة هي خبره .
وقيل : " المثل " زائد ، فتكون " الجنة " في موضع مبتدأ ؛ مثل قولهم :
. . . ثم اسم السلام عليكما و " اسم " زائد .
( غير آسن ) : على فاعل ، من أسن بفتح السين ؛ وأسن ، من أسن بكسرها ، وهي لغة . و ( لذة ) : صفة الخمر ؛ وقيل : هو مصدر ؛ أي ذات لذة .
و ( من كل الثمرات ) أي لهم من كل ذلك صنف أو زوجان .
( ومغفرة ) معطوف على المحذوف ؛ أو الخبر محذوف ؛ أي ولهم مغفرة .
قوله تعالى : ( كمن هو ) : الكاف في موضع رفع ؛ أي حالهم كحال من هو خالد في الإقامة الدائمة .
وقيل : هو استهزاء بهم .
وقيل : هو على معنى الاستفهام ؛ أي أكمن هو .
وقيل : هو في موضع نصب ؛ أي يشبهون من هو خالد فيما ذكرناه .
قال تعالى : ( قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك ( 16 ) والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ( 17 ) ) .
و ( آنفا ) : ظرف ؛ أي وقتا مؤتنفا .
وقيل : هو حال من الضمير في قال ؛ أي مؤتنفا . ( والذين اهتدوا ) : يحتمل الرفع والنصب . ( وآتاهم تقواهم ) : أي ثوابها .
قال تعالى : ( فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ( 18 ) ) .
قوله تعالى : ( أن تأتيهم ) : موضعه نصب بدلا من الساعة بدل الاشتمال .
( فأنى لهم ) : هو خبر " ذكراهم " ، والشرط معترض ؛ أي أنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة .
وقيل : التقدير : أنى لهم الخلاص إذا جاء تذكرتهم .
[ ص: 407 ] قال تعالى : ( وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة ( 20 ) طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ( 21 ) فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( 22 ) ) .
قوله تعالى : ( نظر المغشي ) : أي نظرا مثل نظر المغشي .
و ( أولى ) مبتدأ ، و ( لهم ) : الخبر . وأولى مؤنثه أولات .
وقيل : الخبر : " طاعة " . وقيل : طاعة صفة لسورة ؛ أي ذات طاعة أو مطاعة .
وقيل : التقدير : أمرنا طاعة . ( فإذا عزم الأمر ) : العامل في " إذا " محذوف تقديره : فإذا عزم الأمر فاصدق .
وقيل : العامل " فلو صدقوا " أي لو صدقوا إذا عزم الأمر ؛ والتقدير : إذا عزم أصحاب الأمر ، أو يكون المعنى : تحقق الأمر . و ( أن تفسدوا ) : خبر عسى ، و " إن توليتم " معترض بينهما .
ويقرأ : " توليتم " أي ولي عليكم .
قال تعالى : ( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ( 23 ) ) .
قوله تعالى : ( أولئك الذين ) : أي المفسدون ، ودل عليه ما تقدم .
قال تعالى : ( سول لهم وأملى لهم إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان ( 25 ) ) .
قوله تعالى : ( الشيطان ) : مبتدأ ، و " سول لهم " : خبره ، والجملة خبر " إن " .
( وأملى ) : معطوف على الخبر . ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اسم الله عز وجل ؛ فيكون مستأنفا . ويقرأ : أملي ، على ما لم يسم فاعله ؛ وفيه وجهان : أحدهما : القائم مقام الفاعل " لهم " والثاني : ضمير الشيطان .
قال تعالى : ( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ( 27 ) ) .
[ ص: 408 ] قوله تعالى : ( يضربون ) : هو حال من الملائكة ، أو من ضمير المفعول ؛ لأن في الكلام ضميرا يرجع إليهم .
قال تعالى : ( فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ( 38 ) ) .
قوله تعالى : ( ثم لا يكونوا ) : هو معطوف على " يستبدل " . والله أعلم .