[ ص: 387 ] سورة الزخرف .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( حم ( 1 ) والكتاب المبين ( 2 ) ) .
قوله تعالى : ( والكتاب ) : من جعل " حم " قسما كانت الواو للعطف ، ومن قال غير ذلك جعلها للقسم .
قال تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ( 3 ) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( 4 ) أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ( 5 ) ) قوله تعالى : ( في أم الكتاب ) : يتعلق بعلي ، واللام لا تمنع ذلك .
و ( لدينا ) : بدل من الجار والمجرور . ويجوز أن يكون حالا من الكتاب ، أو من " أم " . ولا يجوز أن يكون واحد من الظرفين خبرا ؛ لأن الخبر قد لزم أن يكون " علي " من أجل اللام ، ولكن يجوز أن كل واحد منهما صفة للخبر ، فصارت حالا بتقدمها .
و ( صفحا ) : مصدر من معنى نضرب ؛ لأنه بمعنى نصفح ؛ ويجوز أن يكون حالا .
وقرئ بضم الصاد ؛ والأشبه أن يكون لغة . و ( أن ) بفتح - الهمزة بمعنى : لأن كنتم ، وبكسرها على الشرط . وما تقدم يدل على الجواب .
قال تعالى : ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( 6 ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون ( 7 ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ( 8 ) ) .
( وكم ) نصب بـ " أرسلنا " و ( بطشا ) تمييز . وقيل : مصدر في موضع الحال من الفاعل ؛ أي أهلكناهم باطشين .
قال تعالى : ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 17 ) ) .
قوله تعالى : ( وجهه مسودا ) : اسم ظل وخبرها ؛ ويجوز أن يكون في " ظل " اسمها مضمرا يرجع على أحدهم ، ووجهه بدل منه . ويقرآن بالرفع على أنه مبتدأ وخبر في موضع خبر ظل . ( وهو كظيم ) : في موضع نصب على الحال من اسم " ظل " أو من الضمير في " مسودا " . [ ص: 388 ] قال تعالى : ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ( 18 ) ) .
قوله تعالى : ( أومن ) : " من " في موضع نصب ، تقديره : أتجعلون من ينشأ ، أو في موضع رفع ؛ أي أومن ينشأ جزء أو ولد . و ( في الخصام ) : يتعلق بـ " مبين " . فإن قلت : المضاف إليه لا يعمل فيما قبله ؟ .
قيل : إلا في " غير " لأن فيها معنى النفي ؛ فكأنه قال : وهو لا يبين في الخصام ، ومثله مسألة الكتاب : أنا زيدا غير ضارب . وقيل : ينتصب بفعل يفسره ضارب ، وكذا في الآية .
قال تعالى : ( قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ( 24 ) ) .
قوله تعالى : ( قل أولو ) : على لفظ الأمر ، وهو مستأنف . ويقرأ ( قال ) - يعني النذير المذكور .
قال تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ( 26 ) ) .
قوله تعالى : ( براء ) : بفتح الباء وهمزة واحدة ، وهو مصدر في موضع اسم الفاعل بمعنى بريء ، وقد قرئ به .
قال تعالى : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( 31 ) ) .
قوله تعالى : ( على رجل من القريتين ) أي من إحدى القريتين : مكة ، والطائف . وقيل : التقدير : على رجل من رجلين من القريتين .
وقيل : كان الرجل من يسكن مكة والطائف ويتردد إليهما ؛ فصار كأنه من أهلهما .
قال تعالى : ( ومعارج عليها يظهرون ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ( 33 ) ) .
قوله تعالى : ( لبيوتهم ) : هو بدل بإعادة الجار ؛ أي لبيوت من كفر .
[ ص: 389 ] والسقف واحد في معنى الجمع ؛ وسقفا - بالضم - جمع ، مثل رهن ورهن .
قال تعالى : ( حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ( 38 ) ) .
قوله تعالى : ( جاءنا ) : على الإفراد ردا على لفظ من ، وعلى التثنية ردا على القريتين : الكافر ، وشيطانه . و ( المشرقين ) : قيل : أراد المشرق والمغرب ، فغلب مثل القمرين .
قال تعالى : ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ( 39 ) ) .
قوله تعالى : ( ولن ينفعكم ) : في الفاعل وجهان ؛ أحدهما : " أنكم " وما عملت فيه ؛ أي لا ينفعكم تأسيكم في العذاب .
والثاني : أن يكون ضمير التمني المدلول عليه بقوله : ( ياليت بيني وبينك ) : أي لن ينفعكم تمني التباعد ؛ فعلى هذا يكون " أنكم " بمعنى لأنكم .
فأما ( إذ ) فمشكله الأمر ؛ لأنها ظرف زمان ماض ، ولن ينفعكم وفاعله واليوم المذكور ليس بماض . وقال في مساءلته ابن جني أبا علي : راجعته فيها مرارا فآخر ما حصل منه أن الدنيا والأخرى متصلتان ، وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه ، فتكون " إذ " بدلا من اليوم حتى كأنها مستقبلة ، أو كأن اليوم ماض . وقال غيره : الكلام محمول على المعنى ، والمعنى : أن ثبوت ظلمهم عندهم يكون يوم القيامة ؛ فكأنه قال ولن ينفعكم اليوم ؛ إذ صح ظلمكم عندكم ، فهو بدل أيضا .
وقال آخرون : التقدير : بعد إذ ظلمتم ؛ فحذف المضاف للعلم به .
وقيل : إذ بمعنى أن ؛ أي لأن ظلمتم . ويقرأ : " إنكم في العذاب " بكسر الهمزة على الاستئناف ، وهذا على أن الفاعل التمني .
ويجوز على هذا أن يكون الفاعل ظلمكم أو جحدكم ، وقد دل عليه ظلمتم ، ويكون الفاعل المحذوف من اللفظ هو العامل في إذ ، لا ضمير الفاعل .