[ ص: 191 ] سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : ( الم ( 1 ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( 2 ) ) .
( الم ) : قد تقدم الكلام عليها في أول البقرة ، والميم من " ميم " حركت لالتقاء الساكنين وهو الميم ولام التعريف في اسم الله ، ولم تحرك لسكونها وسكون الياء قبلها ، لأن جميع هذه الحروف التي على هذا المثال تسكن إذا لم يلقها ساكن بعدها ، كقوله لام ميم ذلك الكتاب ، و " حم " ، و " طس " ، و " ق " ، و " ك " . وفتحت لوجهين : أحدهما : كثرة استعمال اسم الله بعدها . والثاني : ثقل الكسرة بعد الياء والكسرة ، وأجاز الأخفش كسرها ، وفيه من القبح ما ذكرنا .
وقيل : فتحت لأن حركة همزة الله ألقيت عليها . وهذا بعيد لأن همزة الوصل لا حظ لها في الثبوت في الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها .
وقيل : الهمزة في الله همزة قطع ، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال ، فلذلك ألقيت حركتها على الميم ; لأنها تستحق الثبوت ، وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف أل .
( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) : قد ذكر إعرابه في آية الكرسي .
قال تعالى : ( وأنزل التوراة والإنجيل نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ( 3 ) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ( 4 ) ) .
قوله تعالى : ( نزل عليك ) : هو خبر آخر ، وما ذكرناه في قوله : ( لا تأخذه ) [ البقرة : 255 ] فمثله هاهنا .
وقرئ " نزل " عليك بالتخفيف ، و " الكتاب " بالرفع ، وفي الجملة وجهان : [ ص: 192 ] أحدهما : هي منقطعة . والثاني : هي متصلة بما قبلها ، والضمير محذوف تقديره : من عنده .
و ( بالحق ) : حال من الكتاب . و ( مصدقا ) : إن شئت جعلته حالا ثانيا ، وإن شئت جعلته بدلا من موضع قوله " بالحق " ، وإن شئت جعلته حالا من الضمير في المجرور .
( التوراة ) : فوعلة ، من ورى الزند يري إذا ظهر منه النار ; فكأن التوراة ضياء من الضلال ، فأصلها وورية ، فأبدلت الواو الأولى تاء ، كما قالوا تولج ، وأصله وولج ، وأبدلت الياء ألفا لتحركها ، وانفتاح ما قبلها .
وقال الفراء : أصلها تورية على تفعلة كتوصية ، ثم أبدل من الكسرة الفتحة فانقلبت الياء ألفا ، كما قالوا في ناصية ناصاة ، ويجوز إمالتها لأن أصل ألفها ياء .
( والإنجيل ) : إفعيل من النجل ، وهو الأصل الذي يتفرع عنه غيره ، ومنه سمي الولد نجلا ، واستنجل الوادي إذا نز ماؤه .
وقيل : هو من السعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ، ومنه عين نجلاء واسعة الشق ، فالإنجيل الذي هو كتاب عيسى تضمن سعة لم تكن لليهود .
وقرأ الحسن : " الأنجيل " بفتح الهمزة لا يعرف له نظير ، إذ ليس في الكلام أفعيل ، إلا أن الحسن ثقة ، فيجوز أن يكون سمعها .
و ( من قبل ) : يتعلق بأنزل ، وبنيت " قبل " لقطعها عن الإضافة ، والأصل من قبل ذلك ، فقبل في حكم بعض الاسم ، وبعض الاسم لا يستحق إعرابا .
: ( هدى ) : حال من الإنجيل والتوراة ، ولم يثن ; لأنه مصدر .
ويجوز أن يكون حالا من الإنجيل ، ودل على حال للتوراة محذوفة ، كما يدل أحد الخبرين على الآخر . و ( للناس ) : يجوز أن يكون صفة لهدى ، وأن يكون متعلقا به .
و ( الفرقان ) : فعلان من الفرق ، وهو مصدر في الأصل ، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق أو المفروق ، ويجوز أن يكون التقدير : ذا الفرقان .
[ ص: 193 ] قوله تعالى : ( لهم عذاب ) : ابتداء وخبر في موضع خبر إن ، ويجوز أن يرتفع العذاب بالظرف .
قال تعالى : ( ولا في السماء إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ( 5 ) ) .
قوله تعالى : ( في الأرض ) : يجوز أن يكون صفة لشيء ، وأن يكون متعلقا بيخفى .
قال تعالى : ( كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم هو الذي يصوركم في الأرحام ( 6 ) ) .
قوله تعالى : ( في الأرحام ) : في متعلقة بيصور .
ويجوز أن يكون حالا من الكاف والميم ; أي يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ .
( كيف يشاء ) : كيف في موضع نصب بيشاء ، وهو حال والمفعول محذوف ، تقديره : يشاء تصويركم .
وقيل : كيف ظرف ليشاء ، وموضع الجملة حال تقديره : يصوركم على مشيئته ; أي مريدا ، فعلى هذا يكون حالا من ضمير اسم الله .
ويجوز أن تكون حالا من الكاف والميم ; أي يصوركم متقلبين على مشيئته .
( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) : هو مثل قوله ( لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) [ البقرة : 163 ] .