الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ( 165 ) ) .

قوله تعالى : ( من يتخذ ) : من نكرة موصوفة . ويجوز أن تكون بمعنى الذي . ( يحبونهم ) : في موضع نصب صفة للأنداد ، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمن إذا جعلتها نكرة .

وجاز الوجهان ; لأن في الجملة ضميرين أحدهما لمن ، والآخر للأنداد ، وكنى عن الأنداد بـ ( هم ) ، كما يكنى بها عمن يعقل ; لأنهم نزلوها منزلة من يعقل .

والكاف في موضع نصب صفة للمصدر المحذوف ; أي حبا كحب الله ، والمصدر مضاف إلى المفعول تقديره : كحبهم الله أو كحب المؤمنين الله .

( والذين آمنوا أشد حبا لله ) : ما يتعلق به " أشد " محذوف تقديره حبا لله من حب هؤلاء للأنداد . ( ولو يرى ) : جواب لو محذوف ، وهو أبلغ في الوعد والوعيد ; لأن الموعود والمتوعد إذا عرف قدر النعمة والعقوبة وقف ذهنه مع ذلك المعين ; وإذا لم يعرف ذهب وهمه إلى ما هو الأعلى من ذلك ، وتقدير الجواب : لعلموا أن القوة ، أو لعلموا أن الأنداد لا تضر ولا تنفع ، والجمهور على يرى بالياء ، ويرى هنا من رؤية القلب ، فيفتقر [ ص: 113 ] إلى مفعولين ; و : " أن القوة " ساد مسدهما . وقيل المفعولان محذوفان ، وأن القوة معمول جواب لو ; أي لو علم الكفار أندادهم لا تنفع لعلموا أن القوة لله في النفع والضر .

ويجوز أن يكون يرى بمعنى علم المتعدية إلى مفعول واحد ، فيكون التقدير : لو عرف الذين ظلموا بطلان عبادتهم الأصنام أو لو عرفوا مقدار العذاب لعلموا أن القوة أو لو عرفوا أن القوة لله لما عبدوا الأصنام .

وقيل يرى هنا من رؤية البصر أي لو شاهدوا آثار قوة الله فتكون أن وما عملت فيه مفعول يرى ، ويجوز أن يكون مفعول يرى محذوفا تقديره : لو شاهدوا العذاب لعلموا أن القوة ، ودل على هذا المحذوف قوله تعالى : ( إذ يرون العذاب ) .

ويرون العذاب من رؤية البصر ; لأن التي بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين ، وإذا ذكر أحدهما لزم ذكر الآخر ، ويجوز أن يكون بمعنى العرفان ; أي إذ يعرفون شدة العذاب ، وقد حصل مما ذكرنا أن جواب لو يجوز أن يقدر قبل : إن القوة لله جميعا ، وأن يقدر بعده .

" ولو " يليها الماضي ، ولكن وضع لفظ المستقبل موضعه إما على حكاية الحال ، وإما لأن خبر الله تعالى صدق فما لم يقع بخبره في حكم ما وقع .

وأما ( إذ ) فظرف وقد وقعت هنا بمعنى المستقبل ووضعها أن تدل على الماضي ، إلا أنه جاز ذلك لما ذكرنا أن خبر الله عن المستقبل كالماضي ، أو على حكاية الحال بإذ ، كما يحكى بالفعل .

وقيل : إنه وضع إذ موضع إذا ، كما يوضع الفعل الماضي موضع المستقبل ; لقرب ما بينهما ، وقيل إن زمن الآخرة موصول بزمن الدنيا ، فجعل المستقبل منه كالماضي ، إذ كان المجاور للشيء يقوم مقامه ، وهذا يتكرر في القرآن كثيرا ; كقوله : " ولو ترى إذ وقفوا على النار " " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم " . " و إذ الأغلال في أعناقهم " .

( و إذ يرون ) : ظرف ليرى الأولى ، وقرئ ولو ترى الذين ظلموا بالتاء ، وهي من رؤية العين ; أي لو رأيتهم وقت تعذيبهم . ويقرأ : يرون بفتح الياء وضمها ، وهو ظاهر الإعراب والمعنى .

[ ص: 114 ] والجمهور على فتح الهمزة من " أن القوة " ، " وأن الله شديد العذاب " .

ويقرأ : بكسرها فيهما على الاستئناف ، أو على تقدير لقالوا : إن القوة لله .

و ( جميعا ) : حال من الضمير في الجار ، والعامل معنى الاستقرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية