الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) ( 137 ) .

قوله تعالى : ( وأورثنا ) : يتعدى إلى مفعولين ، فالأول : " القوم " . و " الذين كانوا " نعت ، وفي المفعول الثاني ثلاثة أوجه : أحدها : ( مشارق الأرض ومغاربها ) : والمراد أرض الشام أو مصر . و ( التي باركنا ) : على هذا فيه وجهان : أحدهما : هو صفة المشارق والمغارب . والثاني : صفة الأرض ، وفيه ضعف ؛ لأن فيه العطف على الموصوف قبل الصفة . والقول الثاني : أن المفعول الثاني لأورثنا . " التي باركنا " ؛ أي : الأرض التي باركنا ؛ فعلى هذا في المشارق والمغارب وجهان : أحدهما : هو ظرف ليستضعفوا . والثاني : أن تقديره : يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها ، فلما حذف الحرف وصل الفعل بنفسه فنصب . والقول الثالث : [ ص: 441 ] أن التي باركنا صفة على ما تقدم ، والمفعول الثاني محذوف تقديره : الأرض ، أو الملك . ( ما كان يصنع ) : " ما " بمعنى الذي ، وفي اسم كان وجهان : أحدهما : هو ضمير " ما " وخبرها يصنع فرعون ، والعائد محذوف ؛ أي : يصنعه .

والثاني : أن اسم كان " فرعون " ؛ وفي يصنع ضمير فاعل ، وهذا ضعيف ؛ لأن يصنع يصلح أن يعمل في فرعون فلا يقدر تأخيره ، كما لا يقدر تأخير الفعل في قولك قام زيد .

وقيل : " ما " مصدرية ، و " كان " زائدة . وقيل : ليست زائدة ، ولكن " كان " الناقصة لا تفصل بين " ما " وبين صلتها ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : ( بما كانوا يكذبون ) [ البقرة : 10 ] . وعلى هذا القول تحتاج " كان " إلى اسم ، ويضعف أن يكون اسمها ضمير الشأن ؛ لأن الجملة التي بعدها صلة " ما " فلا تصلح للتفسير ، فلا يحصل بها الإيضاح وتمام الاسم ؛ لأن المفسر يجب أن يكون مستقبلا ، فتدعو الحاجة إلى أن نجعل فرعون اسم كان ، وفي " يصنع " ضمير يعود عليه . و ( يعرشون ) : بضم الراء وكسرها لغتان ، وكذلك ( يعكفون ) وقد قرئ بهما فيهما .

قال تعالى : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) ( 138 ) .

قوله تعالى : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ) : الباء هنا معدية كالهمزة والتشديد ؛ أي : أجزنا ببني إسرائيل البحر وجوزنا .

قوله تعالى : ( كما لهم آلهة ) : في " ما " ثلاثة أوجه : أحدها : هي مصدرية ، والجملة بعدها صلة لها ، وحسن ذلك أن الظرف مقدر بالفعل . والثاني : أن " ما " بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وآلهة بدل منه ، تقديره : كالذي هو لهم ، والكاف وما عملت فيه صفة لإله ؛ أي : إلها مماثلا للذي لهم . والوجه الثالث أن تكون " ما " كافة للكاف إذ من حكم الكاف أن تدخل على المفرد ، فلما أريد دخولها على الجملة كفت بما .

قال تعالى : ( إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ) ( 139 ) .

[ ص: 442 ] قوله تعالى : ( ما هم فيه ) : يجوز أن تكون : " ما " مرفوعة بمتبر ؛ لأنه قوي بوقوعه خبرا ، وأن تكون " ما : مبتدأ ، ومتبر خبر مقدم .

قال تعالى : ( قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين ) ( 140 ) .

قوله تعالى : ( أغير الله ) : فيه وجهان : أحدهما : هو مفعول أبغيكم ، والتقدير : أبغي لكم ؛ فحذف اللام . ( إلها ) : تمييز . والثاني : أن " إلها " مفعول أبغيكم ، و " غير الله " صفة قدمت عليه فصارت حالا . ( وهو فضلكم ) : يجوز أن يكون حالا ، وأن يكون مستأنفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية