[ ص: 392 ] سورة الدخان .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ( 3 ) ) .
قوله تعالى : ( إنا أنزلناه ) : هو جواب القسم . و " إنا كنا " مستأنف .
وقيل : هو جواب آخر من غير عاطف .
قال تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ( 4 ) ) .
قوله تعالى : ( فيها يفرق ) : هو مستأنف .
وقيل : هو صفة لليلة ، و " إنا . . . " معترض بينهما .
قال تعالى : ( أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ( 5 ) ) .
قوله تعالى : ( أمرا ) : في نصبه أوجه ؛ أحدها : هو مفعول منذرين ؛ كقوله : ( لينذر بأسا شديدا ) [ الكهف : 2 ] . والثاني : هو مفعول له ، والعامل " أنزلناه " أو " منذرين " أو " يفرق " . والثالث : هو حال من الضمير في " حكيم " أو من " أمر " لأنه قد وصف ؛ أو من كل ؛ أو من الهاء في أنزلناه . والرابع : أن يكون في موضع المصدر ؛ أي فرقا من عندنا . والخامس : أن يكون مصدرا ؛ أي أمرنا أمرا ، ودل على ذلك ما يشتمل الكتاب عليه من الأوامر . والسادس : أن يكون بدلا من الهاء في " أنزلناه " .
فأما ( من عندنا ) فيجوز أن يكون صفة لأمر ، وأن يتعلق بيفرق .
قال تعالى : ( رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ( 6 ) ) .
قوله تعالى : ( رحمة ) : فيه أوجه ؛ أحدها : أن يكون مفعول " مرسلين " فيراد به النبي صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أن يكون مفعولا له . والثالث : أن يكون مصدرا ؛ أي رحمناكم رحمة .
والرابع : أن يكون في موضع الحال من الضمير في " مرسلين " والأحسن أن يكون التقدير : ذوي رحمة .
قال تعالى : ( رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ( 7 ) ) .
[ ص: 393 ] قوله تعالى : ( رب السماوات ) بالرفع على تقدير هو رب ، أو على أن يكون مبتدأ ، والخبر : " لا إله إلا هو " ، أو خبر بعد خبر . وبالجر بدلا من " ربك " .
قال تعالى : ( لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ( 8 ) ) .
قوله تعالى : ( ربكم ) : أي هو ربكم . ويجوز أن يكون خبرا آخر ، وأن يكون فاعل " يميت " وفي " يحيي " ضمير يرجع إلى ما قبله ، أو على شريطة التفسير .
قال تعالى : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( 10 ) ) .
قوله تعالى : ( يوم تأتي ) : هو مفعول فارتقب .
قال تعالى : ( يغشى الناس هذا عذاب أليم ( 11 ) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ( 12 ) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ( 13 ) ) .
قوله تعالى : ( هذا عذاب ) : أي يقال : هذا . و ( الذكرى ) : مبتدأ ، و " لهم " الخبر . و ( أنى ) : ظرف يعمل فيه الاستقرار .
ويجوز أن يكون " أنى " الخبر ، و " لهم " تبيين .
( وقد جاءهم ) : حال .
قال تعالى : ( إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ( 15 ) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ( 16 ) ) .
و ( قليلا ) أي زمانا قليلا ، أو كشفا قليلا . و ( يوم نبطش ) : قيل : هو بدل من تأتي . وقيل : هو ظرف لعائدون . وقيل : التقدير : اذكر . وقيل : ظرف لما دل عليه الكلام ؛ أي ننتقم يوم نبطش .
ويقرأ " نبطش " بضم النون وكسر الطاء ، يقال : أبطشته ؛ إذا مكنته من البطش ؛ أي نبطش الملائكة .
قال تعالى : ( أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين ( 18 ) ) .
[ ص: 394 ] قوله تعالى : ( عباد الله ) أي يا عباد الله ؛ أي أدوا إلي ما وجب عليكم .
وقيل : هو مفعول أدوا ؛ أي خلوا بيني وبين من آمن بي .
قال تعالى : ( وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ( 20 ) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( 21 ) فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ( 22 ) ) .
( وإني عذت ) : مستأنف . و ( أن ترجمون ) : أي من أن ترجمون .
و ( أن هؤلاء ) : منصوب بـ " دعا " .
ويقرأ بالكسر ؛ لأن دعا بمعنى قال .
قال تعالى : ( واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ( 24 ) كم تركوا من جنات وعيون ( 25 ) وزروع ومقام كريم ( 26 ) ونعمة كانوا فيها فاكهين ( 27 ) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( 28 ) ) .
و ( رهوا ) : حال من البحر ؛ أي ساكنا .
وقيل : هو مفعول ثان ؛ أي صيره . و ( كم ) : نصب بـ " تركوا " . و ( كذلك ) أي الأمر كذلك . وقيل : التقدير : تركا كذلك .
قال تعالى : ( ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ( 30 ) من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ( 31 ) ولقد اخترناهم على علم على العالمين ( 32 ) ) .
قوله تعالى : ( من فرعون ) : هو بدل من " العذاب " بإعادة الجار ؛ أي من عذاب فرعون ؛ ويجوز أن يكون جعل فرعون نفسه عذابا .
و ( من المسرفين ) : خبر آخر ، أو حال من الضمير في " عاليا " .
و ( على علم ) : حال من ضمير الفاعل ؛ أي اخترناهم عالمين بهم ، و " على " يتعلق باخترنا .
قال تعالى : ( والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين أهم خير أم قوم تبع ( 37 ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ( 38 ) ) .
قوله تعالى : ( والذين من قبلهم ) : يجوز أن يكون معطوفا على " قوم تبع " فيكون " أهلكناهم " مستأنفا ، أو حالا من الضمير في الصلة ؛ ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر أهلكناهم . وأن يكون منصوبا بفعل محذوف . و ( لاعبين ) : حال .
قال تعالى : ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ( 40 ) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون ( 41 ) ) .
[ ص: 395 ] و ( أجمعين ) توكيد للضمير المجرور . ( يوم لا يغني ) : يجوز أن يكون بدلا من ( يوم الفصل ) وأن يكون صفة لـ " ميقاتهم " ولكنه بني ، وأن يكون ظرفا لما دل عليه الفصل ؛ أي يفصل بينهم يوم لا يغني ؛ ولا يتعلق بالفصل نفسه ؛ لأنه قد أخبر عنه .
قال تعالى : ( إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم ( 41 ) ) .
قوله تعالى : ( إلا من رحم ) : هو استثناء متصل ؛ أي من رحمه الله بقبول الشفاعة عنه . ويجوز أن يكون بدلا من مفعول ينصرون ؛ أي لا ينصرون إلا من رحم الله .
قال تعالى : ( كالمهل يغلي في البطون ( 45 ) كغلي الحميم ( 46 ) خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ( 47 ) ) .
قوله تعالى : ( يغلي ) : يقرأ بالياء ؛ ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الكاف ، أي يشبه المهل غاليا . وقيل : هو حال من المهل . وقيل : التقدير : هو يغلي ؛ أي الزقوم أو الطعام .
وأما الكاف فيجوز أن تكون خبرا ثانيا ، أو على تقدير : هو كالمهل ؛ ولا يجوز أن تكون حالا من " طعام " لأنه لا عامل فيها إذ ذاك .
ويقرأ بالتاء ؛ أي الشجرة ؛ والكاف في موضع نصب ؛ أي غليا كغلي الحميم .
( فاعتلوه ) : بكسر التاء وضمها لغتان .
قال تعالى : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ( 49 ) إن هذا ما كنتم به تمترون ( 50 ) إن المتقين في مقام أمين ( 51 ) في جنات وعيون ( 52 ) يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين ( 53 ) كذلك وزوجناهم بحور عين ( 54 ) يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ( 55 ) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ( 56 ) فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم ( 57 ) ) .
قوله تعالى : ( ذق إنك ) : " إنك " : يقرأ بالكسر على الاستئناف ، وهو استهزاء به ؛ وقيل : أنت العزيز الكريم عند قومك . ويقرأ بالفتح ؛ أي ذق عذاب أنك أنت . و ( مقام ) [ ص: 396 ] بالفتح والضم : مذكورة في الأحزاب . و ( في جنات ) : بدل من " مقام " بتكرير الجار .
وأما " يلبسون " فيجوز أن يكون خبر إن فيتعلق به " في " وأن يكون حالا من الضمير في الجار ، وأن يكون مستأنفا . و ( كذلك ) أي فعلنا كذلك ، أو الأمر كذلك .
و ( يدعون ) : حال من الفاعل في زوجنا . و ( لا يذوقون ) : حال أخرى من الضمير في يدعون ، أو من الضمير في آمنين ، أو حال أخرى بعد آمنين ، أو صفة لآمنين . قوله تعالى : ( إلا الموتة الأولى ) : قيل : الاستثناء منقطع ؛ أي ماتوا الموتة .
وقيل : هو متصل ؛ لأن المؤمن عند موته في الدنيا بمنزلته في الجنة لمعاينته ما يعطاه منها ، أو ما يتيقنه من نعيمها . وقيل : " إلا " بمعنى بعد . وقيل : بمعنى سوى . و ( فضلا ) : مصدر ؛ أي تفضلنا بذلك تفضيلا . والله أعلم .