الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( ما لا يضرهم ) : ( ما ) بمعنى الذي ، ويراد بها الأصنام ; ولهذا قال تعالى : " هؤلاء شفعاؤنا " : فجمع حملا على معنى ( ما ) . قال تعالى : ( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( وإذا أذقنا ) : جواب ( إذا ) الأولى ( إذا ) الثانية . والثانية للمفاجأة ، والعامل في الثانية الاستقرار الذي في ( لهم ) ، وقيل " إذا " الثانية زمانية أيضا ; والثانية وما بعدها جواب الأولى .

قال تعالى : ( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( يسيركم ) : يقرأ بالسين من السير ، و ( ينشركم ) من النشر ; أي يصرفكم ويبثكم . ( وجرين بهم ) : ضمير الغائب ، وهو رجوع من الخطاب إلى الغيبة ; ولو قال " بكم " لكان موافقا لكنتم ، وكذلك " فرحوا " وما بعده . ( جاءتها ) : الضمير للفلك . وقيل : للريح .

قال تعالى : ( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( إذا هم ) : هو جواب ( لما ) ، وهي للمفاجأة كالتي يجاب بها الشرط . ( بغيكم ) مبتدأ . وفي الخبر وجهان : أحدهما . " على أنفسكم " ، وعلى متعلقة بمحذوف ; أي كائن ; لا بالمصدر ; لأن الخبر لا يتعلق بالمبتدأ . فـ " متاع " على هذا خبر مبتدأ محذوف ; أي هو متاع ، أو خبر بعد خبر . والثاني : أن الخبر متاع ، وعلى أنفسكم [ ص: 8 ] متعلق بالمصدر ، ويقرأ " متاع " بالنصب ; فعلى هذا " على أنفسكم " خبر المبتدأ ، " ومتاع " منصوب على المصدر ; أي متعكم بذلك متاعا . وقيل : هو مفعول به ، والعامل فيه بغيكم ، ويكون البغي هنا بمعنى الطلب ; أي طلبكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ; فعلى هذا " على أنفسكم " ليس بخبر ; لأن المصدر لا يعمل فيما بعد خبره ، بل " على أنفسكم " متعلق بالمصدر ، والخبر محذوف ; تقديره : طلبكم متاع الحياة الدنيا ضلال ، ونحو ذلك .

ويقرأ متاع : بالجر ، على أنه نعت للأنفس ، والتقدير : ذوات متاع .

ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل ; أي ممتعات الدنيا ، ويضعف أن يكون بدلا ; إذ قد أمكن أن يجعل صفة .

قال تعالى : ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( فاختلط به نبات الأرض ) : الباء للسبب ; أي اختلط النبات بسبب اتصال الماء به . وقيل : المعنى خالطه نبات الأرض ; أي اتصل به فرباه ، و " مما يأكل " حال من النبات . ( وازينت ) : أصله تزينت ، ثم عمل فيه ما ذكرنا في ( فادارأتم فيها ) : [ البقرة : 72 ] .

ويقرأ بفتح الهمزة وسكون الزاي وياء مفتوحة بعدها ، خفيفة النون والياء ; أي صارت ذات زينة ; كقولك : أجرب الرجل إذا صار ذا إبل جربى . وصحح الياء ، والقياس أن تقلب ألفا ولكن جاء مصححا كما جاء استحوذ .

ويقرأ " وازيأنت " بزاي ساكنة خفيفة بعدها ياء مفتوحة بعدها همزة بعدها نون مشددة والأصل : وازيانت ، مثل احمارت ، ولكن حرك الألف فانقلبت همزة كما ذكرنا في " الضالين " .

[ ص: 9 ] ( تغن بالأمس ) : قرئ في الشاذ . " تتغن " - بتاءين ، وهو في القراءة المشهورة .

و " الأمس " هنا يراد به الزمان الماضي لا حقيقة أمس الذي قبل يومك ، وإذا أريد به ذلك كان معربا ; وكان بلا ألف ولام ولا إضافة ، نكرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية