الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ( 41 ) ) قوله تعالى : ( بسم الله مجراها ) : مجراها مبتدأ ، وبسم الله خبره ، والجملة حال مقدرة ، وصاحبها الواو في " اركبوا " .

ويجوز أن ترفع مجراها ببسم الله على أن تكون " بسم الله " حالا من الواو في اركبوا . ويجوز أن تكون الجملة حالا من الهاء ; تقديره : اركبوا فيها وجريانها بسم الله ; وهي مقدرة أيضا . وقيل : مجراها ومرساها ظرفا مكان ، وبسم الله حال من الواو ; أي مسمين موضع جريانها .

ويجوز أن يكون زمانا ; أي وقت جريانها .

ويقرأ بضم الميم فيهما ، وهو مصدر أجريت مجرى ; وبفتحهما ، وهو مصدر جريت ورسيت .

ويقرأ بضم الميم وكسر الراء والسين وياء بعدهما ، وهو صفة لاسم الله عز وجل .

قال تعالى : ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ( 42 ) ) .

قوله تعالى : ( وهي تجري بهم ) : يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في بسم الله ; أي جريانها بسم الله ، وهي تجري بهم .

ويجوز أن تكون مستأنفة ، و " بهم " حال من الضمير في تجري ; أي وهم فيها .

( نوح ابنه ) الجمهور على ضم الحاء ، وهو الأصل .

وقرئ بإسكانها على إجراء الوصل مجرى الوقف .

[ ص: 31 ] ويقرأ : ابنها يعني ابن امرأته ; كأنه توهم إضافته إليها دونه ، لقوله : ( إنه ليس من أهلك ) . ويقرأ بفتح الهاء من غير ألف ، وحذف الألف تخفيفا ، والفتحة تدل عليها ; ومثله : " يا أبت " فيمن فتح .

ويقرأ " ابناه " على الترثي وليس بندبة لأن الندبة لا تكون بالهمزة .

( في معزل ) : بكسر الزاي موضع ، وليس بمصدر ، وبفتحها مصدر ، ولم أعلم أحدا قرأ بالفتح .

( يابني ) : يقرأ بكسر الياء وأصله بني بياء التصغير وياء هي لام الكلمة ، وأصلها واو عند قوم وياء عند آخرين ، والياء الثالثة ياء المتكلم ولكنها حذفت لدلالة الكسرة عليها فرارا من توالي الياءات ، ولأن النداء موضع تخفيف . وقيل : حذفت من اللفظ لالتقائها مع الراء في " اركب " .

ويقرأ بالفتح ; وفيه وجهان ; أحدهما : أنه أبدل الكسرة فتحة ، فانقلبت ياء الإضافة ، ثم حذفت الألف كما حذفت الياء مع الكسرة ; لأنها أصلها والثاني : أن الألف حذفت من اللفظ لالتقاء الساكنين .

قال تعالى : ( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ( 43 ) ) .

قوله تعالى : ( لا عاصم اليوم ) : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه اسم فاعل على بابه ; فعلى هذا يكون قوله تعالى : ( إلا من رحم ) فيه وجهان : أحدهما : هو استثناء متصل ، و " من رحم " بمعنى الراحم ; أي لا عاصم إلا الله . والثاني : أنه منقطع ; أي لكن من رحمه الله يعصم .

الوجه الثاني : أن عاصما بمعنى معصوم ; مثل ( ماء دافق ) [ الطارق : 6 ] أي مدفوق ; فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا ; أي إلا من رحمه الله . والثالث : أن عاصما بمعنى ذا عصمة على النسب ، مثل حائض وطالق ، والاستثناء على هذا متصل أيضا . فأما [ ص: 32 ] خبر " لا " فلا يجوز أن يكون " اليوم " ;لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ، بل الخبر " من أمر الله " و " اليوم " معمول " من أمر " ولا يجوز أن يكون اليوم معمول عاصم ; إذ لو كان كذلك لنون .

التالي السابق


الخدمات العلمية