سورة الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : ( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ( 1 ) ) .
قوله تعالى : ( الر تلك آيات الكتاب ) : قد ذكر في أول الرعد .
قال تعالى : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( 2 ) ) قوله تعالى : ( ربما ) : يقرأ بالتشديد والتخفيف ، وهما لغتان .
وفي " رب " ثمان لغات : منها المذكورتان ، والثالثة والرابعة كذلك ، إلا أن الراء مفتوحة ، والأربع الأخر مع تاء التأنيث " ربت " . ففيها التشديد والتخفيف ، وضم الراء وفتحها . وفي " ما " وجهان ; أحدهما : هي كافة لرب حتى يقع الفعل بعدها ، وهي حرف جر . والثاني : هي نكرة موصوفة ; أي رب شيء يوده الذين . . . . .
و " رب " : حرف جر لا يعمل فيه إلا ما بعده ، والعامل هنا محذوف تقديره : رب كافر يود الإسلام يوم القيامة أنذرت أو نحو ذلك . وأصل رب أن يقع للتقليل ، وهي هنا للتكثير والتحقيق ، وقد جاءت على هذا المعنى في الشعر كثيرا ، وأكثر ما يأتي بعدها الفعل الماضي ، ولكن المستقبل هنا لكونه صدقا قطعا بمنزلة الماضي .
قال تعالى : ( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( 4 ) ) .
قوله تعالى : ( إلا ولها كتاب ) : الجملة نعت لقرية ; كقولك : ما لقيت رجلا إلا [ ص: 92 ] عالما وقد ذكرنا حال الواو في مثل هذا في البقرة في قوله تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) [ البقرة : 216 ] .
قال تعالى : ( لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ( 7 ) ) .
قوله تعالى : ( لو ما تأتينا ) : هي بمعنى لولا ، وهلا ، وألا ، وكلها للتحضيض .
قال تعالى : ( ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ( 8 ) ) .
قوله تعالى : ( ما ننزل الملائكة ) : فيها قراءات كثيرة كلها ظاهرة .
( إلا بالحق ) : في موضع الحال ، فيتعلق بمحذوف .
ويجوز أن يتعلق بننزل ، وتكون بمعنى الاستعانة .
قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( 9 ) ) .
قوله تعالى : ( نحن نزلنا ) : نحن هنا ليست فصلا ; لأنها لم تقع بين اسمين ; بل هي إما مبتدأ ، أو تأكيد لاسم إن .
قال تعالى : ( وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ( 11 ) ) .
قوله تعالى : ( إلا كانوا به يستهزئون ) : الجملة حال من الضمير المفعول في " يأتيهم " ، وهي حال مقدرة .
ويجوز أن تكون صفة لرسول على اللفظ ، أو الموضع .
قال تعالى : ( كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ( 12 ) ) .
قوله تعالى : ( كذلك ) : أي الأمر كذلك . ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف ; أي سلوكا مثل استهزائهم .
والهاء في ( نسلكه ) تعود على الاستهزاء ، والهاء في ( به ) للرسول ، أو للقرآن . وقيل : للاستهزاء أيضا . والمعنى : لا يؤمنون بسبب الاستهزاء ، فحذف المضاف .
[ ص: 93 ] ويجوز أن يكون حالا ; أي لا يؤمنون مستهزئين .
قال تعالى : ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ( 14 ) لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ( 15 ) ) .
قوله تعالى : ( فظلوا ) : الضمير للملائكة ، وقيل : للمشركين . فأما الضمير في " قالوا " فللمشركين ألبتة .
( سكرت ) : يقرأ بالتشديد والضم ، وهو منقول بالتضعيف ; يقال : سكر بصره ، وسكرته . ويقرأ بالتخفيف ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه متعد مخففا ومثقلا . والثاني : أنه مثل سعد ; وقد ذكر في هود .
ويقرأ بفتح السين وكسر الكاف ; أي سدت وغطيت كما يغطي السكر على العقل .
وقيل : هو مطاوع أسكرت الشيء فسكر ; أي انسد .
قال تعالى : ( وحفظناها من كل شيطان رجيم ( 17 ) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ( 18 ) ) .
قوله تعالى : ( إلا من استرق السمع ) : في موضعه ثلاثة أوجه :
الأول : نصب على الاستثناء المنقطع . والثاني : جر على البدل ; أي إلا ممن استرق . والثالث : رفع على الابتداء . و " فأتبعه " : الخبر ، وجاز دخول الفاء فيه من أجل أن " من " بمعنى الذي ، أو شرط .