الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ( 45 ) ) .

قوله تعالى : ( أن يفرط ) : الجمهور على فتح الياء وضم الراء ; فيجوز أن يكون التقدير : أن يفرط علينا منه قول ; فأضمر القول لدلالة الحال عليه ، كما تقول : فرط مني قول . وأن يكون الفاعل ضمير فرعون ، كما كان في " يطغى " .

قال تعالى : ( قال فمن ربكما يا موسى ( 49 ) قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ( 50 ) ) .

قوله تعالى : ( فمن ربكما ياموسى ) : أي وهارون ، فحذف للعلم به .

ويجوز أن يكون طلب الإخبار من موسى وحده ; إذ كان هو الأصل ; ولذلك قال : " قال ربنا الذي " . و ( خلقه ) : مفعول أول ، و ( كل شيء ) : ثان ; أي أعطى مخلوقه كل شيء .

وقيل : هو على وجهه ، والمعنى : أعطى كل شيء مخلوق خلقه ; أي هو الذي ابتدعه . ويقرأ " خلقه " على الفعل ; والمفعول الثاني محذوف للعلم به .

قال تعالى : ( قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ( 52 ) ) .

قوله تعالى : ( علمها ) : مبتدأ ، وفي الخبر عدة أوجه ; أحدها : " عند ربي " ، و " في كتاب " على هذا معمول الخبر ، أو خبر ثان ، أو حال من الضمير في " عند " . والثاني : أن يكون الخبر " في كتاب " ، و " عند " حال ، والعامل فيها الظرف الذي بعدها على قول الأخفش . وقيل : يكون حالا من المضاف إليه في " علمها " . وقيل : يكون ظرفا للظرف الثاني . وقيل : هو ظرف للعلم . والثالث : أن يكون الظرفان خبرا واحدا ، مثل هذا حلو حامض ، ولا يجوز أن يكون " في كتاب " متعلقا بعلمها ، و " عند " الخبر ; لأن المصدر لا يعمل فيما بعد خبره .

( لا يضل ) : في موضع جر صفة لكتاب ، وفي التقدير وجهان ; أحدهما : لا يضل ربي عن حفظه . والثاني : لا يضل الكتاب ربي ; أي عنه ; فيكون ( ربي ) مفعولا .

ويقرأ بضم الياء ; أي [ لا ] يضل أحد ربي عن علمه .

[ ص: 185 ] ويجوز أن يكون ربي فاعلا ; أي لا يجد الكتاب ضالا ; أي ضائعا ، كقوله تعالى : ( ضل من تدعون ) [ الإسراء : 67 ] .

ومفعول " ينسى " محذوف ; أي ولا ينساه .

ويقرأ بضم الياء ; أي لا ينسي أحد ربي أو لا ينسى الكتاب .

قال تعالى : ( الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ( 53 ) كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( 54 ) ) .

قوله تعالى : ( مهدا ) : هو مصدر وصف به ; ويجوز أن يكون التقدير : ذات مهد .

ويقرأ ( مهادا ) مثل فراش ; ويجوز أن يكون جمع مهد . ( شتى ) : جمع شتيت ، مثل مريض ومرضى ، وهو صفة لأزواج ، أو لبنات .

و ( النهي ) : جمع نهية . وقيل : هو مفرد .

قال تعالى : ( فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ( 58 ) ) .

قوله تعالى : ( بسحر مثله ) : يجوز أن يتعلق بلنأتينك ، وأن يكون حالا من الفاعلين .

( فاجعل بيننا وبينك موعدا ) : هو هاهنا مصدر ; لقوله تعالى : ( لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا ) أي في مكان . و ( سوى ) بالكسر : صفة شاذة ، مثله قوم عدا . ويقرأ بالضم ، وهو أكثر في الصفات ، ومعناه : وسط ; ويجوز أن يكون " مكانا " مفعولا ثانيا لاجعل ، وموعدا على هذا مكان أيضا ; ولا ينتصب بموعد ; لأنه مصدر قد وصف . وقد قرئ : سوى - بغير تنوين ، على إجراء الوصل مجرى الوقف .

قال تعالى : ( قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ( 59 ) ) .

قوله تعالى : ( قال موعدكم ) : هو مبتدأ ، و " يوم الزينة " بالرفع الخبر . فإن جعلت موعدا زمانا ، كان الثاني هو الأول ، وإن جعلت موعدا مصدرا ، كان التقدير : وقت موعدكم يوم الزينة . ويقرأ " يوم " بالنصب على أن يكون " موعدا " مصدرا ، والظرف خبر [ ص: 186 ] عنه ; أي موعدكم واقع يوم الزينة ، وهو مصدر في معنى المفعول . ( وأن يحشر الناس ) : معطوف ، والتقدير : ويوم أن يحشر الناس ; فيكون في موضع جر ; ويجوز أن يكون في موضع رفع ; أي موعدكم أن يحشر الناس . ويقرأ " تحشر " على تسمية الفاعل ; أي فرعون ، والناس نصب .

التالي السابق


الخدمات العلمية