الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) ( 41 ) .

قوله تعالى : ( فكيف إذا ) : الناصب لها محذوف ؛ أي : كيف تصنعون أو تكونوا ، وإذا ظرف لذلك المحذوف . ( من كل أمة ) : متعلق بجئنا أو حال من شهيد على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه . ( وجئنا بك ) : معطوف على جئنا الأولى . ويجوز أن يكون حالا ، وتكون قد مرادة . ويجوز أن يكون مستأنفا ، ويكون الماضي بمعنى المستقبل . و ( شهيدا ) : حال . و " على " يتعلق به . ويجوز أن يكون حالا منه .

قال تعالى : ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ) ( 42 ) .

قوله تعالى : ( يومئذ ) : فيه وجهان : أحدهما : هو ظرف لـ " يود " ، فيعمل فيه . والثاني : يعمل فيه شهيدا ؛ فعلى هذا يكون يود صفة ليوم ، والعائد محذوف ؛ أي : فيه ، وقد ذكر ذلك في قوله : ( واتقوا يوما لا تجزي ) [ البقرة : 48 ] .

[ ص: 278 ] والأصل في " إذا " إذ ، وهي ظرف زمان ماض ، فقد استعملت هنا للمستقبل ، وهو كثير في القرآن ، فزادوا عليها التنوين عوضا من الجملة المحذوفة ؛ تقديره : يوم إذ تأتي بالشهداء ، وحركت الذال بالكسر لسكونها ، وسكون التنوين بعدها . ( وعصوا الرسول ) : في موضع الحال ، وقد مرادة ، وهي معترضة بين يود وبين مفعولها . وهو " لو تسوى " . و ( لو ) بمعنى أن المصدرية ، وتسوى على ما لم يسم فاعله ، ويقرأ : تسوى بالفتح والتشديد ؛ أي : تتسوى ، فقلبت الثانية سينا ، وأدغم ، ويقرأ بالتخفيف أيضا على حذف الثانية . ( ولا يكتمون ) : فيه وجهان : أحدهما : هو حال والتقدير : يودون أن يعذبوا في الدنيا دون الآخرة ، أو يكونوا كالأرض . ( ولا يكتمون الله ) : في ذلك اليوم " حديثا " .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ) ( 43 ) .

قوله تعالى : ( لا تقربوا الصلاة ) : قيل : المراد مواضع الصلاة ، فحذف المضاف . وقيل : لا حذف فيه . ( وأنتم سكارى ) : حال من ضمير الفاعل في تقربوا . و ( سكارى ) : جمع سكران ، ويجوز ضم السين وفتحها ، وقد قرئ بهما ، وقرئ أيضا " سكرى " بضم السين من غير ألف ، وبفتحها كذلك ، وهي صفة مفردة يفي موضع الجمع ، فسكرى مثل حبلى وسكرى مثل عطشى . ( حتى تعلموا ) : أي : إلى أن ، وهي متعلقة بتقربوا . و ( ما ) : بمعنى الذي أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف . ويجوز أن تكون مصدرية ، ولا حذف . ( ولا جنبا ) : حال ، والتقدير : لا تصلوا جنبا ، أو لا تقربوا مواضع الصلاة جنبا ، والجنب يفرد مع التثنية والجمع في اللغة الفصحى ، يذهب به مذهب الوصف بالمصادر ، ومن العرب من يثنيه ويجمعه ، فيقول : جنبان وأجناب ، واشتقاقه من المجانبة ، [ ص: 279 ] وهي المباعدة . ( إلا عابري سبيل ) : هو حال أيضا ؛ والتقدير : لا تقربوها في حال الجناية ؛ إلا في حال السفر ، أو عبور المسجد ، على اختلاف الناس في المراد بذلك . ( حتى تغتسلوا ) : متعلق بالعامل في جنب . ( منكم ) : صفة لأحد . و " من الغائط " مفعول جاء ، والجمهور يقرءون الغائط على فاعل ، والفعل منه غاط المكان يغوط إذا اطمأن . وقرأ ابن مسعود بياء ساكنة من غير ألف ، وفيه وجهان : أحدهما : هو مصدر يغوط ، وكان القياس غوطا فقلب الواو ياء وأسكنت وانفتح ما قبلها لخفتها . والثاني : أنه أراد الغيط فخففت مثل سيد وميت . ( أو لمستم ) : يقرأ بغير ألف وبألف وهما بمعنى . وقيل : لامستم ما دون الجماع ، أو لمستم للجماع . ( فلم تجدوا ) : الفاء عطفت ما بعدها على جاء وجواب الشرط " فتيمموا " ، و " جاء " معطوف على كنتم ؛ أي : وإن جاء أحد . ( صعيدا ) : مفعول تيمموا ؛ أي : اقصدوا صعيدا . وقيل : هو على تقدير حذف الباء ؛ أي : بصعيد . ( بوجوهكم ) : الباء زائدة ؛ أي : امسحوا وجوهكم ، وفي الكلام حذف ؛ أي : فامسحوا وجوهكم به أو منه ، وقد ظهر ذلك في آية المائدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية