الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) ( 137 ) .

قوله تعالى : ( وكذلك زين ) : يقرأ بفتح الزاي والياء على تسمية الفاعل ، وهو : شركاؤهم ، والمفعول " قتل " ، وهو مصدر مضاف إلى المفعول .

ويقرأ بضم الزاي ، وكسر الياء على ما لم يسم فاعله . و " قتل " بالرفع على أنه القائم مقام الفاعل ، و " أولادهم " بالنصب على أنه مفعول القتل ، و " شركائهم " بالجر على الإضافة ، وقد فصل بينهما بالمفعول ، وهو بعيد ، وإنما يجيء في ضرورة الشعر .

ويقرأ كذلك إلا أنه بجر أولادهم على الإضافة ، و " شركائهم " بالجر أيضا على البدل من الأولاد ؛ لأن أولادهم شركاؤهم في دينهم وعيشهم وغيرهما .

[ ص: 404 ] ويقرأ كذلك إلا أنه برفع الشركاء . وفيه وجهان : أحدهما : أنه مرفوع بفعل محذوف ، كأنه قال : من زينه ؟ ، فقال : شركاؤهم ؛ أي : زينه شركاؤهم ، والقتل في هذا كله مضاف إلى المفعول .

والثاني : أن يرتفع شركاؤهم بالقتل ؛ لأن الشركاء تثير بينهم القتل قبله ، ويمكن أن يكون القتل يقع منهم حقيقة . ( وليلبسوا ) : بكسر الباء من لبست الأمر بفتح الباء في الماضي إذا شبهته .

ويقرأ في الشاذ بفتح الباء قيل : إنها لغة . وقيل : جعل الدين لهم كاللباس عليهم .

قال تعالى : ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون ) ( 138 ) .

قوله تعالى : ( لا يطعمها ) : في موضع رفع كالذي قبله .

والجمهور على كسر الحاء في " حجر " وسكون الجيم ، ويقرأ بضمهما وضم الحاء وسكون الجيم ، ومعناه محرم ، والقراءات لغات فيها .

[ ص: 405 ] ويقرأ : " حرج " بكسر الحاء وتقديم الراء على الجيم ، وأصله حرج بفتح الحاء وكسر الراء ، ولكنه خفف ، ونقل مثل فخذ وفخذ .

وقيل : هو من المقلوب مثل عميق ومعيق . ( بزعمهم ) : متعلق بقالوا ، ويجوز فتح الزاي وكسرها وضمها ، وهي لغات .

( افتراء ) : منصوب على المصدر ؛ لأن قولهم المحكي بمعنى افتروا .

وقيل : هو مفعول من أجله ، فإن نصبته على المصدر كان قوله : " عليه " متعلقا بقالوا لا بنفس المصدر ، وإن جعلته مفعولا من أجله علقته بنفس المصدر ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أن يكون صفة لافتراء .

قال تعالى : ( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ) ( 139 ) .

قوله تعالى : ( ما في بطون ) : " ما " بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء ، و ( خالصة ) : خبره ، وأنث على المعنى ؛ لأن ما في البطون أنعام .

وقيل : التأنيث على المبالغة كعلامة ونسابة .

و ( لذكورنا ) : متعلق بخالصة ، أو بمحذوف على أن يكون صفة لخالصة .

( ومحرم ) : جاء على التذكير حملا على لفظ " ما " ويقرأ " خالص " بغير تاء على الأصل ، ويقرأ " خالصة " بالتأنيث والنصب على الحال ، والعامل فيها ما في بطونها من معنى الاستقرار ، والخبر لذكورنا ، ولا يعمل في الحال ؛ لأنه لا يتصرف . وأجازه الأخفش .

ويقرأ " خالصة " بالرفع والإضافة إلى هاء الضمير ، وهو مبتدأ ، وللذكور خبره ، والجملة خبر " ما " . ( يكن ميتة ) : يقرأ بالتاء ؛ ونصب " ميتة " ، أي : إن تكن الأنعام ميتة .

[ ص: 406 ] ويقرأ بالياء حملا على لفظ " ما " . ويقرأ بالتاء ، ورفع " ميتة " على أن " كان " هي التامة .

( فهم فيه ) : ذكر الضمير حملا على " ما " .

قال تعالى : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) ( 140 ) .

قوله تعالى : ( قتلوا أولادهم ) : يقرأ بالتخفيف والتشديد على التكثير .

و : ( سفها ) : مفعول له ، أو على المصدر لفعل محذوف دل عليه الكلام . ( بغير علم ) : في موضع الحال . و ( افتراء ) : مثل الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية