الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ) ( 41 ) .

قوله تعالى : ( غواش ) : هو جمع غاشية ، وفي التنوين هنا ثلاثة أوجه : أحدها : أنه تنوين الصرف ، وذلك أنهم حذفوا الياء من " غواشي " ، فنقص بناؤها عن بناء مساجد ، وصارت مثل سلام ، فلذلك صرفت . والثاني : أنه عوض من الياء المحذوفة .

[ ص: 424 ] والثالث : أنه عوض من حركة الياء المستحقة ، ولما حذفت الحركة ، وعوض عنها بالتنوين ، حذفت الياء لالتقاء الساكنين .

وفي هذه المسألة كلام طويل يضيق هذا الكتاب عنه .

قال تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ( 42 ) .

قوله تعالى : ( والذين آمنوا ) : مبتدأ ، وفي الخبر وجهان : أحدهما : " لا نكلف نفسا إلا وسعها " والتقدير : منهم ، فحذف العائد كما حذف في قوله : ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) [ الشورى : 43 ] .

والثاني : أن الخبر " أولئك أصحاب الجنة " ، و " لا نكلف " معترض بينهما .

قال تعالى : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ( 43 ) .

قوله تعالى : ( من غل ) : هو حال من " ما " . ( تجري من تحتهم ) : الجملة في موضع الحال من الضمير المجرور بالإضافة ، والعامل فيها معنى الإضافة .

قوله تعالى : ( هدانا لهذا ) : قد ذكرناه في الفاتحة . ( وما كنا ) : الواو للحال ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، ويقرأ بحذف الواو على الاستئناف . و ( لنهتدي ) : قد ذكرنا إعراب مثله في قوله تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين ) [ آل عمران : 179 ] ( أن هدانا ) : هما في تأويل المصدر ، وموضعه رفع بالابتداء ؛ لأن الاسم الواقع بعد " لولا " هذه كذلك ، وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله تقديره : لولا أن هدانا الله ما كنا لنهتدي . وبهذا حسنت القراءة بحذف الواو . ( أن تلكم ) : في " أن " وجهان : أحدهما : هي بمعنى أي ، ولا موضع لها ، وهي تفسير للنداء ، والثاني : أنها مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، والجملة بعدها خبرها ؛ أي : ونودوا أنه تلكم الجنة ، والهاء ضمير الشأن ، وموضع الكلام كله نصب بنودوا ، وجر على تقديره بأنه . ( أورثتموها ) : يقرأ بالإظهار على الأصل ، وبالإدغام لمشاركة التاء في الهمس ، وقربها منها في المخرج ، وموضع الجملة نصب على الحال من الجنة ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، ولا يجوز أن يكون حالا من تلك لوجهين : أحدهما : أنه فصل بينهما بالخبر . والثاني : أن " تلك " مبتدأ ، والابتداء لا يعمل في الحال ، ويجوز أن تكون الجنة نعتا لتلكم ، أو بدلا ، وأورثتموها الخبر .

ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الكاف والميم ؛ لأن الكاف حرف للخطاب ، وصاحب الحال لا يكون حرفا ، ولأن الحال تكون بعد تمام الكلام ، والكلام لا يتم بتلكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية