الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) ( 127 ) .

[ ص: 300 ] قوله تعالى : ( وما يتلى ) : في " ما " وجوه : أحدها : موضعها جر عطفا على الضمير المجرور بفي ، وعلى هذا قول الكوفيين ؛ لأنهم يجيزون العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار . والثاني : أن يكون في موضع نصب على معنى ، ونبين لكم ما يتلى ؛ لأن معنى يفتيكم : يبين لكم . والثالث : هو في موضع رفع ، وهو المختار . وفي ذلك ثلاثة أوجه : أحدها : هو معطوف على ضمير الفاعل في يفتيكم ، وجرى الجار والمجرور مجرى التوكيد ؛ والثاني : هو معطوف على اسم الله ، وهو : قل الله . والثالث : أنه مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : وما يتلى عليكم في الكتاب يبين لكم ، و " في " تتعلق بيتلى ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في يتلى . و ( في يتامى ) : تقديره : حكم يتامى ، ففي الثانية تتعلق بما تعلقت به الأولى ؛ لأن معناها مختلف ، فالأولى ظرف ، والثانية بمعنى الباء ؛ أي : بسبب اليتامى كما تقول : جئتك في يوم الجمعة في أمر زيد ، وقيل : الثانية بدل من الأولى ، ويجوز أن تكون الثانية تتعلق بالكتاب ؛ أي : ما كتب في حكم اليتامى ، ويجوز أن تكون الأولى ظرفا والثانية حالا ، فتتعلق بمحذوف ، و ( يتامى النساء ) : أي : في اليتامى منهن . وقال الكوفيون : التقدير : في النساء اليتامى ، فأضاف الصفة إلى الموصوف ، ويقرأ في ييامى بياءين ، والأصل أيامى ، فأبدلت الهمزة ياء كما قالوا : فلان ابن أعصر ويعصر . وفي الأيامى كلام نذكره في موضعه إن شاء الله .

( وترغبون ) : فيه وجهان : أحدهما : هو معطوف على تؤتون ، والتقدير : ولا ترغبون . والثاني : هو حال ؛ أي : وأنتم ترغبون في أن تنكحوهن ( والمستضعفين ) : في موضع جر عطفا على المجرور في " يفتيكم فيهن " ، وكذلك " وأن تقوموا " وهذا أيضا عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، وقد ذكره الكوفيون ، ويجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على موضع فيهن ، والتقدير : ويبين لكم حال المستضعفين ، وبهذا التقدير : يدخل في مذهب البصريين من غير كلفة ، والجيد أن يكون معطوفا على يتامى النساء ، وأن تقوموا معطوف عليه أيضا ؛ أي : وفي أن تقوموا .

قال تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) ( 128 ) .

قوله تعالى : ( وإن امرأة ) : امرأة مرفوع بفعل محذوف ؛ أي : وإن خافت امرأة ، واستغني عنه بـ " خافت " المذكور .

وقال الكوفيون : هو مبتدأ ، وما بعده الخبر ، وهذا عندنا خطأ ؛ لأن حرف الشرط لا معنى له في الاسم ، فهو مناقض للفعل ، ولذلك جاء الفعل بعد الاسم مجزوما في قول عدي :

[ ص: 301 ] ومتى واغل ينبهم يحيو ه وتعطف عليه كأس الساقي

( من بعلها ) : يجوز أن يكون متعلقا بخافت ، وأن يكون حالا من " نشوزا " . و ( صلحا ) : على هذا مصدر واقع موقع تصالح ، ويجوز أن يكون التقدير : أن يصالحا فيصلحا صلحا . ويقرأ بتشديد الصاد من غير ألف ، وأصله يصطلحا ، فأبدلت التاء صادا ، وأدغمت فيها الأولى ، ويقرأ بتشديد الصاد من غير ألف ، وأصله يصطلحا ، فأبدلت في موضع اصطلاح . وقرئ بضم الياء ، وإسكان الصاد ، وماضيه أصلح . وصلحا على هذا فيه وجهان : أحدهما : هو مصدر في موضع إصلاح ، والمفعول به بينهما ، ويجوز أن يكون ظرفا ، والمفعول محذوف . والثاني : أن يكون صلحا مفعولا به ، وبينهما ظرف أو حال من صلح . ( وأحضرت الأنفس الشح ) : أحضرت يتعدى إلى مفعولين ، تقول أحضرت زيدا الطعام ، والمفعول الأول الأنفس ، وهو القائم مقام الفاعل ، وهذا الفعل منقول بالهمزة من حضر ، وحضر يتعدى إلى مفعول واحد ، كقولهم حضر القاضي اليوم امرأة .

قال تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) ( 129 ) .

قوله تعالى : ( كل الميل ) : انتصاب " كل " على المصدر ؛ لأن لها حكم ما تضاف إليه ، فإن أضيفت إلى مصدر كانت مصدرا ، وإن أضيفت إلى ظرف كانت ظرفا . ( فتذروها ) : جواب النهي ؛ فهو منصوب ، ويجوز أن يكون معطوفا على تميلوا ، فيكون مجزوما . ( كالمعلقة ) : الكاف في موضع نصب على الحال .

قال تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ) ( 131 ) .

قوله تعالى : ( وإياكم ) : معطوف على الذين ، وحكم الضمير المعطوف أن يكون منفصلا . و ( أن اتقوا الله ) : في موضع نصب عند سيبويه ، وجر عند الخليل ؛ والتقدير : بأن اتقوا الله ، وأن على هذا مصدرية . ويجوز أن تكون بمعنى أي ؛ لأن وصينا في معنى القول فيصح أن يفسر بأي التفسيرية .

التالي السابق


الخدمات العلمية