الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) ( 84 ) .

[ ص: 289 ] قوله تعالى : ( فقاتلوا ) : الفاء عاطفة لهذا الفعل على قوله : ( فليقاتل في سبيل الله ) [ النساء : 74 ] ، وقيل على : ( وما لكم لا تقاتلون ) [ النساء : 75 ] وقيل : على قوله : ( فقاتلوا أولياء الشيطان ) [ النساء : 76 ] ( لا تكلف ) : في موضع نصب على الحال . ( إلا نفسك ) : المفعول الثاني . " بأسا " و " تنكيلا " تمييز .

قال تعالى : ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا ) ( 85 ) .

قوله تعالى : ( مقيتا ) : الياء بدل من الواو ، وهو مفعل من القوت .

قال تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ) ( 86 ) .

قوله تعالى : ( بتحية ) : أصلها تحيية ، وهي تفعلة من حييت فنقلت حركة الياء إلى الحاء ثم أدغمت . و ( حيوا ) : أصلها حييوا ، ثم حذفت الياء على ما ذكر في مواضع . ( بأحسن ) : أي : بتحية أحسن . ( أو ردوها ) : أي : ردوا مثلها ، فحذف المضاف .

قال تعالى : ( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ) ( 87 ) .

قوله تعالى : ( الله لا إله إلا هو ) : قد ذكر في آية الكرسي . ( ليجمعنكم ) : جواب قسم محذوف ، فيجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ، ويجوز أن يكون خبرا آخر للمبتدأ . ( إلى يوم القيامة ) : قيل : التقدير : في يوم القيامة ، وقيل : هي على بابها ؛ أي : ليجمعنكم في القبور ، أو من القبور فعلى هذا يجوز أن يكون مفعولا به ، ويجوز أن يكون حالا ؛ أي : يجمعنكم مفضين إلى حساب يوم القيامة . ( لا ريب فيه ) : يجوز أن يكون حالا من يوم القيامة ، والهاء تعود على اليوم ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف ؛ أي : جمعا لا ريب فيه ، والهاء تعود على الجمع ، و ( حديثا ) : تمييز .

قال تعالى : ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) ( 88 ) .

[ ص: 290 ] قوله تعالى : ( فما لكم ) : مبتدأ ، وخبر . و ( فئتين ) : حال ، والعامل فيها الظرف الذي هو لكم ، أو العامل في الظرف ، وفي المنافقين يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون متعلقا بمعنى فئتين ، والمعنى : وما لكم تفترقون في أمور المنافقين ، فحذف المضاف . والثاني : أن يكون حالا من فئتين ؛ أي : فئتين مفترقتين في المنافقين فلما قدمه نصبه على الحال .

قال تعالى : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) ( 89 ) .

قوله تعالى : ( كما كفروا ) : الكاف نعت لمصدر محذوف ، وما مصدرية . ( فتكونون ) : عطف على تكفرون . و ( سواء ) : بمعنى مستوين ؛ وهو مصدر في موضع اسم الفاعل .

قال تعالى : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) ( 90 ) .

قوله تعالى : ( إلا الذين يصلون ) : في موضع نصب استثناء من ضمير المفعول في فاقتلوهم . ( بينكم وبينهم ميثاق ) : يجوز أن ترفع " ميثاق " بالظرف ؛ لأنه قد وقع صفة ، وأن ترفعه بالابتداء ، والجملة في موضع جر . ( حصرت ) : فيه وجهان : أحدهما : لا موضع لهذه الجملة ، وهي دعاء عليهم بضيق صدورهم عن القتال . والثاني : لها موضع ، وفيه وجهان : أحدهما : هو جر صفة لقوم ، وما بينهما صفة أيضا ، وجاءوكم معترض ، وقد قرأ بعض الصحابة : " بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم " بحذف : أو جاءوكم . والثاني : موضعها نصب ، وفيه وجهان : أحدهما : موضعها حال ، وقد مرادة تقديره : أو جاءوكم قد حصرت ؛ والثاني : هو صفة لموصوف ؛ أي : جاءوكم قوما حصرت ، والمحذوف حال موطئة ، ويقرأ : ( حصرة ) بالنصب على الحال ، وبالجر صفة لقوم ، وإن كان قد قرئ حصرة بالرفع ، فعلى أنه خبر ، وصدورهم مبتدأ ، والجملة حال . ( أن يقاتلوكم ) : أي عن أن يقاتلوكم ، فهو في موضع نصب أو جر على ما ذكرنا من الخلاف . ( لكم عليهم سبيلا ) : لكم يتعلق بجعل ، وعليهم حال من السبيل ؛ لأن التقدير : سبيلا كائنا عليهم .

[ ص: 291 ] قال تعالى : ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها . ) ( 91 ) .

قوله تعالى : ( أركسوا ) : الجمهور على إثبات الهمزة ، وهو متعد إلى مفعول واحد .

وقرئ : " ركسوا " والتشديد للنقل والتكثير معا ، وفيها لغة أخرى وهي ركسه الله بغير همزة ولا تشديد ولم أعلم أحدا قرأ به .

التالي السابق


الخدمات العلمية