الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 263 ] قال تعالى : ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ) ( 13 ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ) ( 14 ) .

قوله تعالى : ( يدخله ) : في الآيتين بالياء والنون ، ومعناهما واحد . ( نارا خالدا فيها ) : نارا : مفعول ثان ليدخل ، وخالدا حال من المفعول الأول . ويجوز أن يكون صفة لنار ؛ لأنه لو كان كذلك لبرز ضمير الفاعل لجريانه على غير من هو له ، ويخرج على قول الكوفيين جواز جعله صفة ؛ لأنهم لا يشترطون إبراز الضمير في هذا النحو .

قال تعالى : ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) ( 15 ) .

قوله تعالى : ( واللاتي ) : هو جمع " التي " على غير قياس . وقيل : هي صيغة موضوعة للجمع ، وموضعها رفع بالابتداء . والخبر : فاستشهدوا عليهن ؛ وجاز ذلك وإن كان أمرا ؛ لأنه صار في حكم الشرط ، حيث وصلت التي بالفعل ، وإذا كان كذلك لم يحسن النصب ؛ لأن تقدير الفعل قبل أداة الشرط لا يجوز ؛ وتقديره : بعد الصلة يحتاج إلى إضمار فعل غير قوله : " فاستشهدوا " ؛ لأن استشهدوا لا يصح أن يعمل النصب في اللاتي ، وذلك لا يحتاج إليه مع صحة الابتداء ، وأجاز قوم النصب بفعل محذوف تقديره : اقصدوا اللاتي ، أو تعمدوا . وقيل : الخبر محذوف تقديره : وفيما يتلى عليكم حكم اللاتي . ففيما يتلى هو الخبر ، وحكم هو المبتدأ ، فحذفا لدلالة قوله : " فاستشهدوا " ؛ لأنه الحكم المتلو عليهم . ( أو يجعل الله ) : أو عاطفة ؛ والتقدير : أو إلى أن يجعل الله . وقيل : هي بمعنى إلا أن ، وكلاهما مستقيم . ( لهن ) : يجوز أن يتعلق بـ " يجعل " وأن يكون حالا من : " سبيلا " .

قال تعالى : ( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ) ( 6 ) .

قوله تعالى : ( واللذان يأتيانها ) : الكلام في اللذان كالكلام في اللاتي ، إلا أن من أجاز النصب يصح أن يقدر فعلا من جنس المذكور ؛ تقديره : آذوا اللذين . ولا يجوز أن [ ص: 264 ] يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هاهنا ، ولو عرا من ضمير المفعول ؛ لأن الفاء هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط ، وتلك تقطع ما بعدها عما قبلها . ويقرأ اللذان بتخفيف النون على أصل التثنية ، وبتشديدها على أن إحدى النونين عوض من اللام المحذوفة ؛ لأن الأصل اللذيان مثل العميان والشجيان ، فحذفت الياء ؛ لأن الاسم مبهم ، والمبهمات لا تثنى التثنية الصناعية ، والحذف مؤذن بأن التثنية هنا مخالفة للقياس ، وقيل : حذفت لطول الكلام بالصلة ، فأما هذان وهاتين وفذانك فنذكرها في مواضعها .

قال تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) ( 17 ) .

قوله تعالى : ( إنما التوبة ) : مبتدأ ، وفي الخبر وجهان : أحدهما : هو : ( على الله ) : أي : ثابتة على الله ؛ فعلى هذا يكون " للذين يعملون السوء " حالا من الضمير في الظرف وهو قوله " على الله " ، والعامل فيها الظرف أو الاستقرار ؛ أي : كائنة للذين . ولا يجوز أن يكون العامل في الحال التوبة ؛ لأنه قد فصل بينهما بالجار . والوجه الثاني : أن يكون الخبر " للذين يعملون " ؛ وأما " على الله " فيكون حالا من شيء محذوف ؛ تقديره : إنما التوبة إذ كانت على الله ، أو إذا كانت على الله ، فإذ أو إذا ظرفان العامل فيهما الذين يعملون السوء ؛ لأن الظرف يعمل فيه المعنى ، وإن تقدم عليه ، وكان التامة ، وصاحب الحال ضمير الفاعل في كان ، ولا يجوز أن يكون على الله حالا يعمل فيها الذين ؛ لأنه عامل معنوي ، والحال لا يتقدم على المعنوي ، ونظير هذه المسألة قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا .

قال تعالى : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ) ( 18 ) .

قوله تعالى : ( ولا الذين يموتون ) : في موضعه وجهان : أحدهما : هو جر عطفا على الذين يعملون السيئات ؛ أي : ولا الذين يموتون . والوجه الثاني : أن يكون مبتدأ وخبره " أولئك أعتدنا لهم " . واللام لام الابتداء وليست لا النافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية