الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) ( 7 ) .

قوله تعالى : ( إذ ) : ظرف لواثقكم ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء المجرورة ، وأن يكون حالا من الميثاق .

[ ص: 320 ] قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) ( 8 ) .

قوله تعالى : ( شهداء بالقسط ) : مثل قوله تعالى : ( شهد الله ) [ النساء : 135 ] وقد ذكرناه في النساء . ( هو أقرب ) : هو ضمير العدل ، وقد دل عليه اعدلوا ، وأقرب للتقوى قد ذكر في البقرة .

قال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ) ( 9 ) .

قوله تعالى : ( وعد الله ) : وعد يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما ، والمفعول الأول هنا : " الذين آمنوا " . والثاني : محذوف ، استغني عنه بالجملة التي هي قوله : " لهم مغفرة " ولا موضع لها من الإعراب ؛ لأن وعد لا يعلق عن العمل كما تعلق ظننت وأخواتها .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ( 11 ) .

قوله تعالى : ( نعمة الله عليكم ) : يتعلق بنعمة ، ويجوز أن يكون حالا منها ، فيتعلق بمحذوف . و ( إذ ) : ظرف للنعمة أيضا ، وإذا جعلت عليكم حالا جاز أن يعمل في إذ . ( أن يبسطوا ) : أي : بأن يبسطوا ، وقد ذكرنا الخلاف في موضعه .

قال تعالى : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) ( 12 ) .

قوله تعالى : ( منهم اثني عشر ) : يجوز أن يتعلق منهم ببعثنا ، وأن يكون صفة لاثني عشر ، تقدمت ، فصارت حالا . ( وعزرتموهم ) : يقرأ بالتشديد والتخفيف ، والمعنى واحد . ( قرضا ) : يجوز أن يكون مصدرا محذوف الزوائد ، والعامل فيه أقرضتم ؛ أي : إقراضا ، ويجوز أن يكون القرض بمعنى المقرض ، فيكون مفعولا به . ( لأكفرن ) : جواب الشرط . ( فمن كفر بعد ذلك منكم ) : في موضع الحال من الضمير في لأكفرن . و ( سواء السبيل ) : قد ذكر في البقرة .

[ ص: 321 ] قال تعالى : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ) ( 13 ) .

قوله تعالى : ( فبما نقضهم ) : الباء تتعلق بـ " لعناهم " ولو تقدم الفعل لدخلت الفاء عليه ، وما زائدة ، أو بمعنى شيء ، وقد ذكر في النساء . ( وجعلنا ) : يتعدى إلى مفعولين بمعنى صيرنا . و ( قاسية ) : المفعول الثاني ، وياؤه واو في الأصل ؛ لأنه من القسوة . ويقرأ " قسية " على فعيلة ، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء فعيل ، وفعيلة هنا للمبالغة بمعنى فاعلة . ( يحرفون ) : مستأنف ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول في لعناهم ، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية . ولا يجوز أن يكون حالا من القلوب ؛ لأن الضمير في يحرفون لا يرجع إلى القلوب ، ويضعف أن يجعل حالا من الهاء والميم في " قلوبهم " . ( عن مواضعه ) : قد ذكر في النساء . ( على خائنة ) : أي على طائفة خائنة ، ويجوز أن تكون فاعلة هنا مصدرا كالعاقبة والعافية . و ( منهم ) : صفة لخائنة . ويقرأ : " خيانة " وهي مصدر ، والياء منقلبة عن واو ؛ لقولهم يخون ، وفلان أخون من فلان ، وهو خوان . ( إلا قليلا منهم ) : استثناء من خائنة ، ولو قرئ بالجر على البدل لكان مستقيما .

قال تعالى : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) ( 14 ) .

قوله تعالى : ( ومن الذين قالوا ) : " من " تتعلق بأخذنا تقديره : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، والكلام معطوف على قوله : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ) [ النساء : 46 ] ، والتقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم .

ولا يجوز أن يكون التقدير : وأخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى ؛ لأن فيه إضمارا قبل الذكر لفظا وتقديرا ، والياء في : ( وأغرينا ) : من واو ، واشتقاقه من الغراء ، وهو الذي يلصق به ، يقال : سهم مغرو . و ( بينهم ) : ظرف لأغرينا ، أو حال من " العداوة " ، ولا يكون ظرفا للعداوة ؛ لأن المصدر لا يعمل فيما قبله . ( إلى يوم القيامة ) : يتعلق بأغرينا أو بالبغضاء أو بالعداوة ؛ أي تباغضوا إلى يوم القيامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية