الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ( 211 ) ) .

قوله تعالى : ( سل ) : فيه لغتان سل ، واسأل ; فماضي اسأل سأل بالهمزة فاحتيج في الأمر إلى همزة الوصل لسكون السين وفي سل وجهان : أحدهما : أن الهمزة ألقيت حركتها على السين ، فاستغني عن همزة الوصل لتحرك السين . والثاني : أنه من سأل يسأل مثل خاف يخاف ، وهي لغة فيه .

وفيه لغة ثالثة ، وهي اسل ، حكاها الأخفش ، ووجهها أنه ألقى حركة الهمزة على السين وحذفها ، ولم يعتد بالحركة لكونها عارضة ; فلذلك جاء بهمزة الوصل كما قالوا لحمر .

( كم آتيناهم ) : الجملة في موضع نصب ; لأنها المفعول الثاني لسل ولا تعمل سل في كم ; لأنها استفهام وموضع كم فيه وجهان : أحدهما : نصب لأنها المفعول الثاني لآتيناهم; والتقدير : أعشرين آية أعطيناهم . والثاني : هي في موضع رفع بالابتداء ، وآتيناهم خبرها ، والعائد محذوف ، والتقدير : آتيناهموها ، أو آتيناهم إياها ، وهو ضعيف عند سيبويه .

[ ص: 139 ] و ( من آية ) : تمييز لكم . والأحسن إذا فصل بين كم وبين مميزها أن يؤتى بمن .

( ومن يبدل ) : في موضع رفع بالابتداء ، والعائد الضمير في يبدل ، وقيل : العائد محذوف تقديره : شديد العقاب له .

قال تعالى : ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب ( 212 ) ) .

قوله تعالى : ( زين ) : إنما حذفت التاء لأجل الفصل بين الفعل وبين ما أسند إليه ، ولأن تأنيث الحياة غير حقيقي ; وذلك يحسن مع الفصل .

والوقف على آمنوا . ( والذين اتقوا ) : مبتدأ ، و ( فوقهم ) : خبره .

قال تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 213 ) ) .

قوله تعالى : ( مبشرين ومنذرين ) : حالان : ( وأنزل معهم ) " معهم " في موضع الحال من الكتاب ; أي وأنزل الكتاب شاهدا لهم ومؤيدا ، والكتاب جنس أو مفرد في موضع الجمع .

( وبالحق ) : في موضع الحال من الكتاب ; أي مشتملا على الحق وممتزجا بالحق . ( ليحكم ) : اللام متعلقة بأنزل ، وفاعل ( يحكم ) : الله . ويجوز أن يكون الكتاب .

( من بعد ما جاءتهم ) : من تتعلق باختلف ، ولا يمنع إلا من ذلك كما تقول ما قام إلا زيد يوم الجمعة . و ( بغيا ) : مفعول من أجله ، والعامل فيه اختلف .

من الحق في موضع الحال من الهاء في " فيه " . ويجوز أن تكون حالا من ما .

( بإذنه ) : حال من الذين آمنوا ; أي مأذونا لهم .

ويجوز أن يكون مفعولا لهدى ; أي هداهم بأمره .

قال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ( 214 ) ) .

[ ص: 140 ] قوله تعالى : ( أم حسبتم ) : أم بمنزلة بل والهمزة ، فهي منقطعة .

و ( أن تدخلوا ) : أن وما عملت فيه تسد مسد المفعولين عند سيبويه .

وعند الأخفش المفعول الثاني محذوف . ( ولما ) : هنا : لم دخلت عليها " ما " وبقي جزمها .

( مستهم ) : جملة مستأنفة لا موضع لها ، وهي شارحة لأحوالهم .

ويجوز أن تضمر معها قد فتكون حالا .

( حتى يقول الرسول ) : يقرأ بالنصب ، والتقدير : إلى أن يقول الرسول فهو غاية ، والفعل هنا مستقبل حكيت به حالهم ، والمعنى على المضي ; والتقدير : إلى أن قال الرسول . ويقرأ بالرفع على أن يكون التقدير : وزلزلوا فقال الرسول ; فالزلزلة سبب القول ، وكلا الفعلين ماض فلم تعمل فيه حتى .

( متى نصر الله ) : الجملة وما بعدها في موضع نصب بالقول ، وفي هذا الكلام إجمال ، وتفصيله أن أتباع الرسول قالوا متى نصر الله فقال الرسول ألا إن نصر الله قريب ، وموضع متى رفع لأنه خبر المصدر وعلى قول الأخفش موضعه نصب على الظرف ونصر مرفوع به .

قال تعالى : ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ( 215 ) ) .

قوله تعالى : ( يسألونك ) : يجوز أن تلقي حركة الهمزة على السين وتحذفها ومن قال سأل فجعلها ألفا مبدلة من ولو قال يسألونك مثل يخافونك . ( ماذا ينفقون ) : في ماذا مذهبان للعرب : أحدهما : أن تجعل ما استفهاما بمعنى أي شيء وذا بمعنى الذي ، وينفقون صلته ، والعائد محذوف ، فتكون ما مبتدأ ، وذا وصلته خبرا ، ولا نجعل ذا بمعنى الذي إلا مع : " ما " عند البصريين ، وأجاز الكوفيون ذلك مع غير ما .

[ ص: 141 ] والمذهب الثاني : أن تجعل " ما " و " ذا " بمنزلة اسم واحد للاستفهام ، وموضعه هنا نصب بينفقون ، وموضع الجملة نصب بيسألون على المذهبين .

( ما أنفقتم ) : " ما " شرط في موضع نصب بالفعل الذي بعدها .

و ( من خير ) : قد تقدم إعرابه : فللوالدين جواب الشرط ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي فتكون مبتدأ ، والعائد محذوف ومن خير حال من المحذوف ، فللوالدين الخبر فأما . " وما تفعلوا من خير " فشرط ألبتة .

التالي السابق


الخدمات العلمية