قال تعالى : ( لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ولقد همت به وهم بها ( 24 ) ) .
[ ص: 54 ] قوله تعالى : ( لولا أن رأى ) : جواب " لولا " محذوف تقديره : لهم بها ، والوقف على هذا : ولقد همت به . والمعنى : أنه لم يهم بها .
وقيل : التقدير : لولا أن رأى البرهان لواقع المعصية .
( كذلك ) : في موضع رفع ; أي رؤية كذلك .
واللام في " لنصرف " متعلقة بالمحذوف .
و ( المخلصين ) بكسر اللام ; أي المخلصين أعمالهم . وبفتحها ; أي أخلصهم الله لطاعته .
قال تعالى : ( وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر ( 25 ) ) .
قوله تعالى : ( من دبر ) : الجمهور على الجر والتنوين .
وقرئ في الشواذ بثلاث ضمات من غير تنوين ; وهو مبني على الضم ; لأنه قطع عن الإضافة ; والأصل من دبره وقبله ، ثم فعل فيه ما فعل في قبل وبعد ; وهو ضعيف ; لأن الإضافة لا تلزمه كما تلزم الظروف المبنية لقطعها عن الإضافة .
قال تعالى : ( إنك كنت من الخاطئين يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك ( 29 ) ) .
قوله تعالى : ( يوسف أعرض ) : الجمهور على ضم الفاء ، والتقدير : يا يوسف .
وقرأ الأعمش بالفتح ، والأشبه أن يكون أخرجه على أصل المنادى ، كما جاء في الشعر : يا عديا لقد وقتك الأواقي وقيل : لم تضبط هذه القراءة عن الأعمش ، والأشبه أن يكون وقف على الكلمة ثم وصل ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، فألقى حركة الهمزة على الفاء وحذفها ; فصار اللفظ بها ( يوسف اعرض ) . وهذا كما حكي : الله أكبر اشهد أن لا . . . - بالوصل والفتح .
وقرئ في الشاذ أيضا بضم الفاء ، وأعرض على لفظ الماضي ; وفيه ضعف ، لقوله : " واستغفري " وكان الأشبه أن يكون بالفاء فاستغفري . [ ص: 55 ] قال تعالى : ( قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ( 30 ) ) .
قوله تعالى : ( نسوة ) : يقرأ بكسر النون ، وضمها ; وهما لغتان .
وألف " الفتى " منقلبة عن ياء ، لقولهم فتيان ، والفتوة شاذ .
( قد شغفها ) : يقرأ بالغين ، وهو من شغاف القلب ، وهو غلافه . والمعنى : أنه أصاب شغاف قلبها ، وأن حبه صار محتويا على قلبها كاحتواء الشغاف عليه .
ويقرأ بالعين ; وهو من قولك : فلان مشعوف بكذا ; أي مغرم به ومولع .
و ( حبا ) تمييز ، والأصل قد شغفها حبه ، والجملة مستأنفة . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في " تراود " أو من " الفتى " .
قال تعالى : ( وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن ( 31 ) ) .
قوله تعالى : ( وأعتدت ) : هو من العتاد ، وهو الشيء المهيأ للأمر .
( متكأ ) : الجمهور على تشديد التاء والهمز من غير مد ، وأصل الكلمة موتكأ ; من توكأت ، ويراد به المجلس الذي يتكأ فيه ; فأبدلت الواو تاء وأدغمت .
وقرئ شاذا بالمد والهمز ، والألف فيه ناشئة عن إشباع الفتحة .
ويقرأ بالتنوين من غير همز ، والوجه فيه أنه أبدل الهمزة ألفا ثم حذفها للتنوين .
وقال ابن جني : يجوز أن يكون من أوكيت السقاء ; فتكون الألف بدلا من الياء ، ووزنه مفتعل من ذلك .
ويقرأ بتخفيف التاء من غير همز ، ويقال : المتك : الأترج .
( حاشى لله ) : يقرأ بألفين وهو الأصل .
والجمهور على أنه هنا فعل ، وقد قالوا منه أحاشي ، وأيد ذلك دخول اللام على اسم الله تعالى ، ولو كان حرف جر لما دخل على حرف جر . وفاعله مضمر ، تقديره : حاشى يوسف ; أي بعد من المعصية لخوف الله .
وأصل الكلمة من حاشيت الشيء ، فحاشى : صار في حاشية ; أي ناحية . [ ص: 56 ] ويقرأ بغير ألف بعد الشين ، حذفت تخفيفا واتبع في ذلك المصحف ، وحسن ذلك كثرة استعمالها .
وقرئ شاذا " حشا لله " بغير ألف بعد الحاء ، وهو مخفف منه .
وقال بعضهم : هي حرف جر ، واللام زائدة ، وهو ضعيف ; لأن موضع مثل هذا ضرورة الشعر .
( ما هذا بشرا ) : يقرأ بفتح الباء ; أي إنسانا ; بل هو ملك .
ويقرأ بكسر الباء من الشراء ; أي لم يحصل هذا بثمن . ويجوز أن يكون مصدرا في موضع المفعول ; أي بمشترى ، وعلى هذا قرئ بكسر اللام في " ملك " .