قال تعالى : ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( 77 ) ) .
قوله تعالى : ( فأسرها ) : الضمير يعود إلى نسبتهم إياه إلى السرق ، وقد دل عليه الكلام .
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : قال في نفسه : أنتم شر مكانا . وأسرها ; أي هذه الكلمة .
[ ص: 64 ] و ( مكانا ) : تمييز ; أي شر منه ، أو منهما .
قال تعالى : ( إنا نراك من المحسنين قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه ( 78 ) ) .
قوله تعالى : ( فخذ أحدنا مكانه ) : هو منصوب على الظرف ، والعامل فيه خذ .
ويجوز أن يكون محمولا على المعنى ; أي اجعل أحدنا مكانه .
قال تعالى : ( إنا إذا لظالمون قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ( 79 ) ) .
قوله تعالى : ( معاذ الله ) : هو مصدر ; والتقدير : من أن نأخذ .
قال تعالى : ( قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ( 80 ) ) .
قوله تعالى : ( استيأسوا ) : يقرأ بياء بعدها همزة ، وهو من يئس .
ويقرأ استيأسوا - بألف بعد التاء وقبل الياء ، وهو مقلوب ; يقال : يئس وأيس ، والأصل تقديم الياء ، وعليه تصرف الكلمة ; فأما " إياس " اسم رجل فليس مصدر هذا الفعل ; بل مصدر أسته ; أي أعطيته إلا أن الهمزة في الآية قلبت ألفا تخفيفا .
( نجيا ) : حال من ضمير الفاعل في " خلصوا " ، وهو واحد في موضع الجمع ; أي أنجية ; كما قال تعالى : ( ثم نخرجكم طفلا ) [ الحج : 5 ] .
و ( من قبل ) : أي ومن قبل ذلك .
( ما فرطتم ) : في " ما " وجهان ; أحدهما : هي زائدة و " من " متعلقة بالفعل ; أي وفرطتم من قبل . والثاني : هي مصدرية وفي موضعها ثلاثة أوجه ; أحدها : رفع بالابتداء ، و " من قبل " خبره ; أي وتفريطكم في يوسف من قبل . وهذا ضعيف ; لأن " قبل " إذا وقعت خبرا أو صلة لا تقطع عن الإضافة لئلا تبقى ناقصة . والثاني : موضعها نصب عطفا على معمول تعلموا ; تقديره : ألم تعرفوا أخذ أبيكم عليكم الميثاق وتفريطكم في يوسف . والثالث : هو معطوف على اسم إن ; تقديره : وأن تفريطكم من قبل في يوسف .
وقيل : هو ضعيف على هذين الوجهين ; لأن فيهما فصلا بين حرف العطف والمعطوف ، وقد بينا في سورة النساء أن هذا ليس بشيء .
[ ص: 65 ] فأما خبر إن على الوجه الأخير فيجوز أن يكون في يوسف ; وهو الأولى لئلا يجعل " من قبل " خبرا .
( فلن أبرح الأرض ) : هو مفعول أبرح ; أي لن أفارق ; ويجوز أن يكون ظرفا .
قال تعالى : ( وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ( 81 ) ) .
قوله تعالى : ( سرق ) : يقرأ بالفتح والتخفيف ; أي فيما ظهر لنا .
ويقرأ بضم السين وتشديد الراء وكسرها ; أي نسب إلى السرق .
قال تعالى : ( وإنا لصادقون واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ( 82 ) ) .
قوله تعالى : ( واسأل القرية ) : أي أهل القرية ; وجاز حذف المضاف ; لأن المعنى لا يلتبس .
فأما قوله تعالى : ( والعير التي . . . ( 82 ) ) فيراد بها الإبل ; فعلى هذا يكون المضاف محذوفا أيضا ; أي أصحاب العير ; وقيل : العير : القافلة ، وهم الناس الراجعون من السفر فعلى هذا ليس فيه حذف .
قال تعالى : ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف ( 84 ) ) . قوله تعالى : ( ياأسفى ) : الألف مبدلة من ياء المتكلم والأصل أسفي ففتحت الفاء وصيرت الياء ألفا ليكون الصوت بها أتم .
و ( على ) : متعلقة بأسفى .
قال تعالى : ( حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ( 85 ) ) .
قوله تعالى : ( تفتأ ) : أي لا تفتأ ، فحذفت " لا " للعلم بها .
و ( تذكر ) : في موضع نصب خبر تفتأ .