الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين ) ؛ لأنه تعالى أمر في المعسر بإنظاره ليساره ولم يأمره بكسب ولما مر في خبر معاذ { ليس لكم إلا ذلك } وإنما وجب الكسب لنفقة القريب ؛ لأنها يسيرة والدين لا ينضبط ولأن فيها إحياء بعضه فكان كإحياء نفسه نعم إن وجب الدين بسبب عصى به لزمه الاكتساب كما اعتمده ابن الصلاح وغيره لتوقف صحة توبته على أدائه ومنه يعلم أنه لا يعتبر هنا كونه غير مزر به بل متى أطاق المزري لزمه فيما يظهر ؛ إذ لا نظر للمروات في جنب الخروج من المعصية وأن الإيجاب ليس للإيفاء بل للخروج من المعصية ويوافقه ما في الإحياء أنه يجب على من أخر الحج مع قدرته عليه حتى أفلس أن يخرج ماشيا إن قدر فإن عجز اكتسب من الحلال قدر الزاد فإن عجز سأل ليصرف له من نحو زكاة أو صدقة ما يحج به فإن مات ولم يحج مات عاصيا فإذا وجب السؤال والكسب هنا مع أنه حق لله تعالى فأولى ذلك ؛ لأنه حق آدمي ونظر بعضهم في كلام الإحياء بما لا يصح وقد يجب الاكتساب هنا وإن لم يعص به كمأذون قسم ما بيده للغرماء وبقي عليه دين فيتعلق بكسبه ويلزمه الاكتساب لوفاء ذلك قاله ابن الرفعة .

                                                                                                                              وإنما يصح إن أريد الوجوب وإن لم يأمره به السيد وإلا فالقن يلزمه الاكتساب للسيد حيث أمكنه وطلبه منه ( والأصح وجوب إجارة ) نحو ( أم ولده و ) نحو ( الأرض ) الموصى له بمنفعتها أو ( الموقوفة عليه ) [ ص: 139 ] حيث لم يخالف شرط الواقف مرة بعد أخرى إلى قضاء الدين ؛ لأن المنفعة كالعين نعم إن ظهر بإجباره على إجارة الوقف مدة تفاوت بسبب تعجيل الأجرة لحد لا يتغابن به في غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة لم يجبر وبه علم ضابط زمن كل مرة وهو ما لا يظهر به تفاوت بسبب تعجيل الأجرة وبحث الزركشي أن غلة ذلك لو لم يفضل منها شيء عن مؤنة ممونه قدم بها على الغرماء ؛ لأنها تقدم في المال الخالص فالمنزل منزلته أولى ورد بأنها إنما تقدم إلى وقت القسمة فقياسه هنا أنه ينفق منها ما لم تؤجر للغرماء ؛ لأن الإجارة حينئذ بمنزلة القسمة وفيه نظر ظاهر والظاهر ما قاله الزركشي ؛ لأنه لا يعطي الغرماء منها إلا ما استقر ملكه له وهو ما مضت مدته سواء استأجره الغرماء أم غيرهم فحينئذ ما قبض منها قبل الصرف إليهم تعلق حقه وحق ممونه به فيقدمون به ثم يدفع للغرماء ما بقي فالحاصل أن أجرة كل مرة لا يعطى منها غرماؤه إلا ما فضل عنه وعن ممونه تلك المدة .

                                                                                                                              ( فرع ) لا ينفك حجر المفلس بانقضاء القسمة ولا باتفاق الغرماء على رفعه لاحتمال غريم آخر بل برفع القاضي لا غيره ما لم يتبين له مال فتبين بقاؤه وله كما هو ظاهر فكه إذا لم يبق له غير المأجور والموقوف فيما عداهما .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله عصى به ) أي : وإن صرفه في مباح م ر ( قول المصنف والأصح وجوب إجارة إلخ ) قال الشيخان وقضية هذا إدامة الحجر إلى البراءة وهو كالمستبعد انتهى والمراد بإدامة الحجر أنه لا يفكه القاضي وبأنه كالمستبعد أنه ينبغي أن يفكه لا أنه ينفك بنفسه لما يأتي في الفرع الآتي .

                                                                                                                              ( فرع ) في شرح م ر ولو قال لغريمه أبرئني فإني معسر فأبرأه ثم بان يساره برئ ولو قيد بالإبراء [ ص: 139 ] بعدم ظهور المال لم يبرأ ذكره الروياني في البحر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأنه تعالى أمر إلخ ) أي : بقوله الكريم { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ( قوله وإنما وجب ) إلى قوله ويوافقه في النهاية إلا قوله أنه لا يعتبر إلى أن الإيجاب إلخ وإلى قوله ونظر بعضهم في المغني إلا ما ذكر ( قوله إحياء بعضه ) المراد به هنا الأصل لا ما يشمل الفرع ؛ لأن الأصل لا يؤمر بالكسب لنفقة فرعه بخلاف عكسه ا هـ ع ش ( قوله بسبب عصى به ) وإن صرفه في مباح كغاصب ومتعمد جناية ا هـ نهاية ( قوله كما اعتمده ابن الصلاح ) عبارة المغني والنهاية كما نقله الإسنوي عن ابن الصلاح ثم قال وهو الأصح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ومنه يعلم إلخ ) أي : من التعليل ( قوله وأن الإيجاب إلخ ) عطف على قوله أنه لا يعتبر إلخ ( قوله ليس للإيفاء إلخ ) أي : وهو حينئذ غير خاص بالمفلس ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله ويوافقه إلخ ) أي ما اعتمده ابن الصلاح ( قوله فإن عجز سأل إلخ ) أي : مع أن السؤال يزري به إن كان من ذوي المروآت ا هـ ع ش ( قوله كمأذون ) أي : كعبد مأذون له في التجارة ( قوله وإنما يصح إلخ ) أي : قول ابن الرفعة ( قوله إن أريد الوجوب إلخ ) أي : وجوب اكتساب المأذون المذكور ( قوله وإلا فالقن إلخ ) أي وإن لم يرد الوجوب مطلقا بل فيما إذا أمره السيد به كما هو الظاهر فلا وجه لتخصيص الوجوب بالمأذون ؛ لأن القن مطلقا يلزمه إلخ قول المتن ( والأصح وجوب إلخ ) قال الشيخان وقضية هذا إدامة الحجر إلى البراءة وهو كالمستبعد ا هـ والمراد بإدامة الحجر أن لا يفكه القاضي وبأنه كالمستبعد أنه ينبغي أن يفكه لا أنه ينفك بنفسه لما يأتي في الفرع الآتي .

                                                                                                                              ( فرع ) في شرح م ر ولو قال لغريمه : أبرئني فإني معسر فأبرأه ثم بان يساره برئ ولو قيد الإبراء بعدم ظهور المال لم يبرأ ذكره الروياني في البحر انتهى ا هـ سم قال ع ش والرشيدي قوله م ر لم يبرأ أي : وإن بان أن لا مال له لتعليق البراءة وهو لا يصح ا هـ قول المتن ( وجوب إجارة أم ولده ) أي : على المدين فهو المخاطب بالوجوب وعبارة الروضة وعليه أي المفلس أن يؤجر لهم مستولدته وموقوفا عليه انتهى ا هـ رشيدي زاد البجيرمي لكن ينبغي تقييد الوجوب عليه بما إذا كان الحاكم قد فك الحجر عنه فإن لم يفكه فالوجوب على الحاكم كما لا يخفى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله نحو أم ولده ) قضية زيادة النحو هنا وفيما بعد أن هنا غير المستولدة والموصى له والموقوف عليه أمرا آخر تجب إجارته ولعله المنذور له منفعتها واقتصر النهاية على النحو الأول ثم قال : إن إجارة أم الولد لا تختص بالمحجور بل تطرد في كل مديون ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ونحو الأرض إلخ ) ومثل ذلك النزول عن الوظائف وينبغي أن مثل ذلك رفع اليد عن الاختصاصات إذا [ ص: 139 ] اعتيد النزول عنها بدراهم ا هـ ع ش ( قوله حيث ) إلى قوله وبه علم في النهاية والمغني ( قوله لم يخالف شرط الواقف ) فإن شرط عدم إجارتها اتبع فلا تجوز إجارتها نهاية ومغني ( قوله مرة بعد أخرى ) أي ويؤجران مرة إلخ ( قوله إلى قضاء الدين ) يعني البراءة ( قوله على إجارة الوقف ) أي : بأجرة معجلة ومثله المستولدة نهاية ومغني ( قوله مدة تفاوت ) فاعل ظهر ( قوله لحد ) متعلق بالتفاوت ( قوله ضابط زمن كل مرة ) وينبغي أن تكون إجارة ما ذكر كل مرة يؤجرها مدة يغلب على الظن بقاؤه إلى انقضائها ا هـ نهاية ( قوله وبحث الزركشي ) إلى قوله فقياسه في النهاية وإلى قوله ؛ لأن الإجارة في المغني ( قوله قدم بها ) أي بالغلة ( قوله : لأنها إلخ ) أي : المئونة ( قوله الخالص ) أي : الحاضر ا هـ نهاية ( قوله بأنها إلخ ) أي : المئونة ( قوله منها ) أي : الغلة ( قوله ما لم تؤجر ) أي : أم الولد والأرض المذكورة ونحوها ( قوله والظاهر إلخ ) خلافا للنهاية والمغني كما مر آنفا ( قوله ملكه ) أي : المفلس ( قوله لا ينفك ) إلى قوله ما لم يتبين في النهاية ( قوله برفع القاضي لا غيره ) ظاهره وإن حصل وفاء الديون أو الإبراء منها ا هـ رشيدي ( قوله فيتبين بقاؤه ) أي : بقاء الحجر وعدم انفكاكه برفع القاضي ( قوله وله ) أي : للقاضي ( قوله غير المأجور ) أراد بالمأجور المستولدة والموصى له منفعته ( قوله فيما عداهما ) متعلق بقوله فكه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية