الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4563 338 - ( حدثنا أحمد بن إسحاق السلمي ، حدثنا يعلى ، حدثنا عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب ابن أبي ثابت ، قال : أتيت أبا وائل أسأله فقال : كنا بصفين فقال رجل : ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله ؟ فقال علي : نعم ، فقال سهل بن حنيف : اتهموا أنفسكم ، فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشركين - ولو نرى قتالا لقاتلنا ، فجاء عمر ، فقال : ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم أعطي الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا ؟ فقال : يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ، ولن يضيعني الله أبدا ، فرجع متغيظا ، فلم يعتبر حتى جاء أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال : يا ابن الخطاب إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولن يضيعه الله أبدا ، فنزلت سورة الفتح ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه في قضية الحديبية ، وأحمد بن إسحاق بن الحصين بن جابر بن جندل ، أبو إسحاق السلمي ، بضم السين المهملة وفتح اللام ، السرماري ، نسبة إلى سرمارة ، قرية من قرى بخارى ، ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وبالقصر ، ابن عبيد ، وعبد العزيز بن سياه بكسر السين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف ، وبالهاء بعد الألف ، لفظ فارسي ، ومعناه بالعربية الأسود ، وهو منصرف ، وحبيب ابن أبي ثابت واسمه قيس بن دينار الكوفي ، وأبو وائل بالهمز بعد الألف اسمه شقيق بن سلمة .

                                                                                                                                                                                  والحديث مر في باب الشروط في الجهاد مطولا جدا ، وفيه قضية عمر - رضي الله تعالى عنه - وقضية سهل بن حنيف مضت مختصرة في غزوة الحديبية ، وذكره البخاري أيضا في الجزية والاعتصام ، وفي المغازي ، وأخرجه مسلم والنسائي أيضا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بصفين " بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة ، بقعة بقرب الفرات كانت بها وقعة بين علي ومعاوية ، وهو غير منصرف ، قوله : " فقال رجل : ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله " وذكر صاحب ( التلويح ) الرواية هنا بفتح الياء - من يدعون - وضم العين ، وكان هذا الرجل الذي هو من أصحاب علي - رضي الله تعالى عنه - لم يرد التلاوة ، وساق الكرماني الآية : ألم تر إلى الذين يدعون ، إلى قوله تعالى : معرضون ، ثم قال : فقال الرجل مقتبسا منه ذلك ، وغرضه : إما أن الله تعالى قال في كتابه فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي فيم يدعون إلى القتال وهم لا يقاتلون ؟

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقال علي : نعم " زاد أحمد والنسائي : أنا أولى بذلك ، أي بالإجابة إذا دعيت إلى العمل بكتاب الله ; لأنني واثق بأن الحق بيدي ، قوله : " فقال سهل بن حنيف : اتهموا أنفسكم " ، ويروى : رأيكم ، يريد أن الإنسان قد يرى رأيا والصواب غيره ، والمعنى : لا تعملوا بآرائكم ، يعني : مضى الناس إلى الصلح بين علي ومعاوية ، وذلك أن سهلا ظهر له من [ ص: 181 ] أصحاب علي - رضي الله تعالى عنه - كراهة التحكيم ، وقال الكرماني : كان سهل يتهم بالتقصير في القتال ، فقال : اتهموا أنفسكم ، فإني لا أقصر ، وما كنت مقصرا وقت الحاجة كما في يوم الحديبية ، فإني رأيت نفسي يومئذ بحيث لو قدرت مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلت قتالا عظيما ، لكن اليوم لا نرى المصلحة في القتال ، بل التوقف أولى لمصالح المسلمين ، وأما الإنكار على التحكيم أفليس ذلك في كتاب الله تعالى ، فقال علي - رضي الله تعالى عنه - : نعم ، المنكرون هم الذين عدلوا عن كتاب الله ; لأن المجتهد لما رأى أن ظنه أدى إلى جواز التحكيم ، فهو حكم الله ، وقال سهل : اتهموا أنفسكم في الإنكار ; لأنا أيضا كنا كارهين لترك القتال يوم الحديبية ، وقهرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصلح ، وقد أعقب خيرا عظيما ، قوله : " ولقد رأيتنا " أي : ولقد رأيت أنفسنا ، قوله : " ولو نرى " بنون المتكلم مع غيره ، قوله : " أعطي " بضم الهمزة وكسر الطاء ، ويروى نعطي بالنون ، قوله : الدنية ، بكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف أي الخصلة الدنية ، وهي المصالحة بهذه الشروط التي تدل على العجز والضعف ، قوله : " فلم يصبر حتى جاء أبا بكر " قال الداودي : ليس بمحفوظ ، إنما كلم أبا بكر أولا ، ثم كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية