الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا باب في قوله تعالى : كشجرة طيبة وليس في أكثر النسخ لفظ باب ، وفي رواية أبي ذر إلى قوله : "ثابت" ، وفي رواية غيره إلى "حين" ، الكلام أولا في وجه التشبيه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة ، وبيانه موقوف على تفسير الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة ، فالكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله ، نقل ذلك عن ابن عباس ، وهو قول الجمهور ، والشجرة الطيبة فيها أقوال فقيل : كل شجرة طيبة مثمرة ، وقيل : النخلة ، وقيل : الجنة وقيل : شجرة في الجنة ، وقيل : المؤمن ، وقيل : قريش ، وقيل : جوز الهند ، وأما بيان وجه التشبيه على القول الأول فهو من حيث الحسن والزهارة والطيب والمنافع الحاصلة في كل واحدة من كلمة الشهادة ، والشجرة الطيبة المثمرة ، وأما على القول الثاني وهو الذي عليه الجمهور فهو من حيث كثرة الخير في العاجل والآجل وحسن المنظر والشكل الموجود في كل واحد من كلمة الشهادة والنخلة ، فإن كثرة الخير في العاجل والآجل مستمرة في صاحب كلمة الشهادة ، وكذلك حسن المنظر والشكل ، وفي النخلة كذلك فإنها كثيرة الخير وطيبة الثمرة من حين تطلع يؤكل منها حتى تيبس فإذا يبست يتخذ منها منافع كثيرة من خشبها وأغصانها وورقها ونواها ، وقيل : وجه التشبيه أن رأسها إذا قطع ماتت بخلاف باقي الشجر ، وقيل : لأنها لا تحمل حتى تلقح ، وقيل : إنها فضلة طينة آدم عليه الصلاة والسلام على ما روي ، وقيل : في علو فروعها كارتفاع عمل المؤمن ، وقيل : لأنها شديدة الثبوت كثبوت الإيمان في قلب المؤمن ، وأما على القول الثالث أنها شجرة في الجنة رواه أبو ظبيان عن ابن عباس فهو من حيث الدوام والثبوت على ما لا يخفى ، وأما على القول الرابع فهو من حيث ارتفاع عمل المؤمن الصالح في كل وقت ، ووجود ثمرة النخلة في كل حين ، وأما على القول الخامس فهو من حيث ارتفاع القدر في كل واحد من قريش والنخلة أما قريش فلا شك أن قدرهم مرتفع على سائر قبائل العرب ، وأما النخلة فكذلك على سائر الأشجار من الوجوه التي ذكرناها ، وأما على القول السادس الذي هو جوز الهند [ ص: 5 ] فهو من حيث إنه لا يتعطل من ثمره على ما رواه ابن مردويه من حديث فروة بن السائب عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قوله تؤتي أكلها كل حين قال هي شجر جوز الهند لا يتعطل من ثمره ، تحمل في كل شهر ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضا قال السهيلي : ولا يصح ، وكذلك المؤمن الذي هو صاحب كلمة الشهادة لا يتعطل من عمله الصالح ، قوله أصلها ثابت أي في الأرض وفرعها في السماء يعني في العلو ، فإذا كان أصلها ثابتا أمن الانقطاع لأن الطيب إذا كان في معرض الانقراض حصل بسبب فنائه وزواله الحزن ، فإذا علم أنه باق عظم الفرح بوجدانه ، وإذا كان فرعها في السماء دل على كمالها من وجهين : الأول : ارتفاع أغصانها وقوتها وتصعدها يدل على ثبوت أصلها ورسوخ عروقها ، الثاني : إذا كانت مرتفعة كانت بعيدة عن عفونات الأرض فكانت ثمرتها نقية طاهرة من جميع الشوائب ، قوله : تؤتي " أي تعطي أكلها " أي ثمرها كل حين " اختلفوا فيه ، فقال مجاهد ، وعكرمة ، وابن زيد : كل سنة ، وعن ابن عباس : الحين حينان حين يعرف ويدرك ، وحين لا يعرف ، فالأول : قوله ولتعلمن نبأه بعد حين والثاني قوله تؤتي أكلها كل حين فهو ما بين العام إلى العام المقبل ، وقال سعيد بن جبير ، وقتادة : الحين كل ستة أشهر ما بين صرامها إلى حملها ، وقال الربيع بن أنس : كل حين كل غدوة وعشية كذلك يصعد عمل المؤمن أول النهار وآخره ، وهي رواية عن ابن عباس أيضا ، وقال الضحاك : الحين ساعة ليلا ونهارا صيفا وشتاء يؤكل في جميع الأوقات كذلك المؤمن لا يخلو من الخير في الأوقات كلها ، فإن قلت : قد بينت وجه التشبيه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة ، فما الحكمة بالتمثيل بالشجرة ؟ قلت : لأن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ ، وأصل قائم ، وفرع عال ، فكذلك الإيمان لا يقوم ولا يثمر إلا بثلاثة أشياء تصديق بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأبدان .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية