الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4579 354 - حدثنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف فقال في حلفه : واللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك فليتصدق .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، ورجاله قد ذكروا غير مرة ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذور عن عبد الله بن محمد ، وفي الأدب عن إسحاق ، وفي الاستئذان عن يحيى بن بكير ، وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي الطاهر وحرملة ، وعن سويد بن سعيد ، وعن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد ، وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي ، وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن منصور ، وأخرجه النسائي فيه عن كثير بن عبيد ، وفي اليوم والليلة عن يونس بن عبد الأعلى ، وعن أحمد بن سليمان ، وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن وحيم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من حلف " إلى آخره قال الخطابي : اليمين إنما يكون بالمعبود الذي يعظم ، فإذا حلف بها فقد ضاهى الكفار في ذلك ، فأمر أن يتداركه بكلمة التوحيد ، وأما قوله : " فليتصدق " فمعناه يتصدق بالمال الذي يريد أن يقامر عليه . وقيل : يتصدق بصدقة من ماله كفارة لما جرى على لسانه من هذا القول . قوله : " فقال في حلفه " أي في يمينه ، والحلف بفتح الحاء وكسر اللام وإسكانها أيضا ، والحلف بكسر الحاء وإسكان اللام العهد قوله : " فليقل لا إله إلا الله " إنما أمره بذلك لأنه تعاطى تعظيم الأصنام ، وقال النووي : قال أصحابنا إذا حلف باللات أو غيرها من الأصنام أو قال : إن فعلت كذا ، فأنا بعد يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك لم ينعقد يمينه ، بل عليه أن يستغفر الله تعالى ويقول : لا إله إلا الله ، ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا ، هذا مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء ، وقال أبو حنيفة : تجب الكفارة في كل ذلك إلا في قوله : أنا مبتدع أو بريء من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اليهودية . انتهى . وفي فتاوى الظهيرية : ولو قال : هو يهودي أو بريء من الإسلام إن فعل كذا عندنا يكون يمينا ، فإذا فعل ذلك الفعل هل يصير كافرا هذا على وجهين إن حلف بهذه الألفاظ وعلق بفعل ماض ، وهو عالم وقت اليمين أنه كاذب اختلفوا فيه قال بعضهم : يصير كافرا لأنه تعليق بشرط كائن ، وهو تنجيز ، وقال بعضهم : لا يكفر ولا يلزمه الكفارة ، وإليه مال شيخ الإسلام خواهر زاده ، وإن حلف بهذه [ ص: 202 ] الألفاظ على أمر مستقبل ، قال بعضهم : لا يكفر ويلزمه الكفارة ، والصحيح ما قاله السرخسي أنه ينظر إن كان في اعتقاد الحالف أنه لو حلف بذلك على أمر في الماضي يصير كافرا في الحال ، وإن لم يكن في اعتقاده ذلك لا يكفر سواء كانت اليمين على أمر في المستقبل ، أو في الماضي . قوله : " تعال " أمر من التعالي ، وهو الارتفاع ، تقول منه إذا أمرت : تعال يا رجل بفتح اللام ، وللمرأة تعالي وللمرأتين تعاليا ، وللنسوة تعالين ، ولا يجوز أن يقال منه : تعاليت ولا ينهى عنه . قوله : " أقامرك " مجزوم لأنه جواب الأمر يقال : قامره يقامره قمارا إذا طلب كل واحد أن يغلب صاحبه في عمل أو قول ليأخذ مالا جعلاه للغالب ، وهو حرام بالإجماع . قوله : " فليتصدق " ، وفي رواية مسلم : " فليتصدق بشيء " قال العلماء : أمر بالتصدق تكفيرا لخطيئته في كلامه بهذه المعصية ، قال الخطابي : يتصدق بمقدار ما كان يريد أن يقامره به ، وهو قول الأوزاعي ، وقال النووي رحمه الله : الصواب أن يتصدق بما تيسر مما يطلق عليه اسم الصدقة ، وفي التلويح وعن بعض الحنفية : إن قوله : " فليتصدق " المراد بها كفارة اليمين ، وقال بعضهم : وفيه ما فيه . قلت : ما فيه إلا عدم فهم من لا يفهم ما فيه ، وإنما قال بعضهم : المراد بها كفارة اليمين ; لأن هذا ينعقد يمينا على رأي هذا القائل ، فإذا انعقد يمينا تجب عليه الكفارة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية