الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : فما قول مالك في الرجل يقطع يمين الرجل عمدا ولا يمين للقاطع ولا مال ، أيكون ذلك على العاقلة أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : لا يكون ذلك على العاقلة ، ولكن يكون في مال القاطع يتبع به دينا عليه .

                                                                                                                                                                                      قلت : فما فرق بين اليد والمأمومة والجائفة ، وقد قال مالك في المأمومة والجائفة : إنهما على العاقلة ، وإن كان للجاني مال ؟ وقد قال في اليد : إن القاطع إذا قطع يمين الرجل ولا يمين له ، إن ذلك في مال القاطع - كان القاطع غنيا أو عديما - ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : كل شيء يجنيه الإنسان على عمد فلا يكون فيه القصاص ، وفي جسد الجاني مثل الذي جنى عليه . فلا يكون للمجني عليه أن يقتص منه ، فعقل ذلك على العاقلة ، وعلى هذا الجاني الأدب . وتفسير هذا إنما هو في مثل الجائفة والمأمومة وما لا يستطاع منه القود ، فإنه يكون على العاقلة إذا بلغ من الحكم [ ص: 573 ] ما فيه ثلث الدية ، ألا ترى أنه لا يقتص فيهما من الجاني وفي رأسه ، وفي جسده موضع المأمومة والجائفة وغير ذلك مما لا يستطاع منه القود ، وما جنى الرجل من جناية فيها القصاص أن لو كانت قائمة في الجاني إلا أنها قد ذهبت من الجاني ولا يجد المجني عليه ما يقتص منه ، لأنه قد ذهب ذلك من الجاني . ولو كان ذلك فيه قائما لاقتص منه ، وإنما منعه من القصاص أن ذلك الشيء ليس في الجاني ، فهذا فيه العقل على الجاني في ماله ولا تحمله العاقلة . قال : وتفسير هذا مثل الرجل يقطع يمين الرجل عمدا ولا يمين للقاطع ، فالقاطع لو كانت يمينه قائمة لقطعها هذا المقطوعة يده مكان يده ، ولكنها ذاهبة فلا يجد ما يقطع . فهذا الذي يكون العقل في ماله ولا تحمله العاقلة - في قول مالك - فهذا فرق ما بينهما .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية