الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن مكاتبين كوتبا جميعا كتابة واحدة ; فجنى أحدهما على صاحبه خطأ أو عمدا ، كانا ذوي قرابة أو أجنبيين ما حالهما في قول مالك ؟ قال : على القاتل قيمة المقتول ويعتق القاتل فيها ، ويرجع السيد عليه بحصته من الكتابة ويعتق هذا الباقي ويرجع السيد عليه بحصته .

                                                                                                                                                                                      قال : وسواء إن قتله هذا الذي معه في الكتابة عمدا أو خطأ ، كانا ذوي قرابة أو أجنبيين ، فذلك سواء . ويعتق القاتل في قيمة المقتول ويرجع السيد عليهما جميعا بما عتقا به من قيمة المقتول بما ينوبه في رأيي ; لأنه لا تهمة على القاتل أن يكون إنما قتله ليتعجل عتقه ، وهو قد كان يقدر على أن يتعجل ما أغرمه سيده من قيمة المقتول ويعتق ، فليس هاهنا تهمة أتهمه بها فلذلك أعتقه به . وإنما الذي سمعت أنه لا يعتق أن لو كان للمقتول مال يعتق به القاتل فاستحيا لم يعتق إن قتله عمدا في تركته لما اتهم عليه من تعجيل عتقه في مال المقتول ، وتكون عليه قيمة المقتول . فإن كان في ذلك كفافا للكتابة عتق وتبعه السيد بما ينوبه منها ، وإن لم يكن عنده قيمة [ ص: 623 ] المقتول عجز ورجع رقيقا وعتق في المال إن قتله خطأ ; لأن الحر يرث من المال ولا يرث من الدية ، فكذلك المكاتب في مال المقتول لا يعتق في ماله إن كان قتله عمدا فيما ترك ، ويعتق إن كان قتله خطأ فيما ترك ; لأنه لا تهمة عليه - وهذا أحسن ما سمعت - ويكون عليه قيمة المقتول فكذلك الأجنبيون إلا أن السيد في الأجنبي يتبعه بما أدى عنه من المال الذي تركه المكاتب إذا كان قتله خطأ ، ويرجع عليه السيد أيضا بقيمة المقتول ولا يتبع السيد في المال إذا كانا أخوين بما أدى عنه من قيمة الكتابة ; لأن أحدهما لم يكن يتبعه لو أدى عنه ، وإنما يتبع في الدية السيد من كان يتبعه هو ممن كان معه ، ويسقط عمن كان لا يتبعه لو أدى عنه في الخطأ ، ويكون على الأخ قيمة أخيه لأنه لا يرث من القيمة ، فلذلك يكون عليه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية