الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      ادعى دارا في يد رجل وأقام بينة وأقام شاهدا واحدا أو لا يقيم شاهدا قلت : أرأيت لو أني ادعيت قبل رجل عبدا ، فأقمت شاهدا واحدا ، فأردت أن آخذ بالعبد كفيلا حتى آتي بشاهد آخر ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إذا أقام شاهدا واحدا عدلا ، دفع إليه العبد إذا وضع قيمته ، ذهب به إلى موضع بينته إن أراد وأخذ من يدي الذي هو في يديه .

                                                                                                                                                                                      قال : فقلت لمالك : فإن لم يقم شاهدا ، وادعى بينة قريبة بمنزلة اليوم واليومين والثلاثة ، فقال : ادفعوا العبد إلي حتى أذهب به إلى بينتي وأنا أضع قيمته ؟

                                                                                                                                                                                      قال مالك : لا أرى ذلك له ، ولكن إن أتى بشاهد أو سماع ، رأيت أن يدفع إليه العبد بعد أن يضع قيمته ، ويذهب بالعبد حيث يشهد عليه بينته قال : قلت عند من تشهد تلك البينة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : عند السلطان الذي يكون في ذلك الموضع .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : ولو جاز ذلك للناس بغير بينة أو سماع اعترضوا أموال الناس ورقيقهم ودوابهم .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : ولكن إن أقام شاهدا واحدا ، أو أتى بسماع قوم يشهدون ، أنهم قد سمعوا أنه قد سرق له مثل ما يدعي ، فإنه يدفع إليه إذا وضع قيمته وإن لم تكن شهادة قاطعة ، كذلك قال مالك .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإن لم يأت بسماع ولا بشهادة لم يدفع إليه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قال : أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ، ليس ذلك له إلا أن يقول للقاضي : إن بينتي حضور أو سماع ، يثبت له به دعوى . فإن القاضي يوكل بالعبد ويوقفه حتى يأتيه بالبينة ، أو بما يثبت به دعوه فيما قرب من يومه وما أشبهه ، فإن أتى على ذلك برجل أو سماع ، ثم سأل أن يوقف له العبد حتى [ ص: 43 ] يأتي ببينته ، فإن ادعى بينة بعيدة وفي إيقافه مضرة على المدعى عليه ، استحلف السلطان المدعى عليه وخلى سبيله ، ولا يأخذ عليه كفيلا . وإن ادعى شهودا حضورا على حقه ، رأيت أن يوقف له ما بينه وبين الخمسة إلى الجمعة ، وهذا التحديد في الوقف ليس لابن القاسم .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : ثم يوقف له ; لأن مالكا حين قال : يدفع إليه ، رأيت الوقف له إذا قال الطالب : أنا آتي ببينتي ، إذا كان قد أثبت بسماع قد سمعوا ، أو جاء بشاهد .

                                                                                                                                                                                      قال : فقلت لمالك : فإن أوقفته ، فعلى من النفقة ، أعلى الذي هو في يديه أم على الطالب ؟

                                                                                                                                                                                      قال : على الذي يقضى له به . وقال غيره : وإنما توقف هذه الأشياء ; لأنها تحول وتزول . وإنما يشهد على عينها وكذلك هذا في كل ما ادعي بعينه من الرقيق والحيوان والعروض .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كانت دورا أو أرضين أو نخلا أو فاكهة ، أو ما يكون له الغلة ، لمن الغلة التي تغتل منها في قول مالك ، وهل توقف هذه الأشياء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : الغلة للذي كانت في يديه حتى يقضى بها للطالب ; لأنها لو هلكت كان ضمانها من المطلوب .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وهذا إذا كان المطلوب مشتريا ، أو صارت إليه من مشتر .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وإنما الوقف فيما يزول ، فأما الرباع التي لا تزول ولا تحول ، فليست توقف مثل ما يزول ، ولكن توقف وقفا يمنع من الأحداث فيها . سحنون : وقال غيره : إذا كلف المدعى عليه ما ينتفع به بما يثبت المدعي ، وقفت هذه الأشياء حتى يقضى بها أو لا يقضى بها . وقال غيره : فإن ادعى عليه دينا أو شيئا مستهلكا ، وسأل القاضي أن يأخذ له منه كفيلا ، فإن القاضي يسأل الطالب : هل له بينة على مخالطة أو حق أو معاملة أو ظنة . فإن قال : نعم ، رأيت أن يسأله : أحضور هم أم غيب ؟ فإن قال : هم حضور ، فإن كانوا على المخالطة والمعاملة والظنة ; رأيت أن يوكل بالرجل حتى يأتي بالبينة على ما يستحق به اللطخ ، فيما قرب من يومه وما أشبهه ، فإن أتاه بهم وغيبة شهوده على الحق غيبة تبعد رأيت أن يستحلف القاضي المدعى عليه ، ولا يأخذ عليه كفيلا . فإن ادعى شهودا حضورا على حقه ، رأيت أن يأخذ له به كفيلا بنفسه ما بينه وبين الخمسة الأيام والسبعة إلى الجمعة . فإن قال المدعي للقاضي : خذ لي منه كفيلا بالمال ، أو بالعقار إن قضيت لي به عليه ، لم يأخذ منه كفيلا بذلك المال ، إنما يأخذ الكفيل ، ويوقف الحيوان والعروض ; لأنه يحتاج الشهود إلى حضوره ليشهد عليه الشهود بعينه ، فلذلك أخذ منه كفيلا كما يأخذ كفيلا بنفسه بمحضر ، فشهد عليه الشهود . فأما ما لم يحتج الشهود إلى حضوره ليشهدوا عليه ، فإن القاضي لا يأخذ منه كفيلا به ، وإن كان الذي ادعى المدعي ما لا يبقى ويسرع إليه الفساد ، مثل الفاكهة الرطبة واللحم ، وأقام لطخا لم يوجب به إيقافه أو بينة ، ولم يعرف القاضي البينة ، فاحتاج إلى المسألة عنهم ، فقال الجاحد للقاضي وهو البائع أو المشتري وهو [ ص: 44 ] المدعي : أنا أخاف فساده وإن لم يقولاه له إن ترك حتى يزكي البينة ، فإن كان إنما يشهد للمدعي شاهد واحد وأثبت لطخا وقال : لي بينة حاضرة ، فإن القاضي يؤجل للمدعي بإحضار شاهده إذا قال عندي شاهد .

                                                                                                                                                                                      ولا أحلف أو بينة ما لم يخف الفساد على ذلك الذي ادعى عليه أو اشترى ، فإن أحضر ما ينتفع به وإلا خلى ما بين المدعى عليه وبين متاعه ، إن كان هو البائع ، ونهى المشتري أن يعرض له . وإن كان أقام شاهدين ، وكان القاضي ينظر في تعديلهما وخاف عليه الفساد ، أمر أمينا فباعه وقبض ثمنه ، ووضع الثمن على يدي عدل ، فإن زكيت البينة ، قضى للمشتري بالذي بيعت به السلعة إن كان هو المدعي ، وأخذ من المشتري الثمن الذي شهدت به الشهود فدفع إلى البائع ، كان أقل أو أكثر ، ويقال للبائع : أنت أعلم بما زاد ثمن المشتري الذي جحدته البيع عن ثمن سلعتك التي بعت ، فإن لم تزك البينة على الشراء أخذ القاضي الثمن ، فدفعه إلى البائع ; لأن بيع القاضي إنما كان نظرا منه ، فطاب للبائع . وإن ضاع الثمن قبل أن يقضي به لواحد منهما ، فهو لمن قضى له به ، ومصيبته منه كان تلفه قبل الحكم أو بعد الحكم .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية