الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4752 ) فصل : وإن وصى لمواليه ، وله موال من فوق ، وهم معتقوه ، فالوصية لهم ; لأن الاسم يتناولهم ، وقد تعينوا بوجودهم دون غيرهم . وإن لم يكن له إلا موال من أسفل فهي لهم كذلك . وإن اجتمعوا ، فالوصية لهم جميعا ، يستوون فيها ; لأن الاسم يشمل جميعهم . وقال أصحاب الرأي : الوصية باطلة ; لأنها لغير معين . وقال أبو ثور : يقرع بينهما ; لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر . وقال ابن القاسم : هي للمولى من أسفل . ولأصحاب الشافعي أربعة أوجه ، كقولنا ، وقول أصحاب الرأي ، والثالث ، هي للموالي من فوق ; لأنهم أقوى ، بدليل أنهم عصبة ويرثونه ، بخلاف عتقائه . والرابع ، يقف الأمر حتى يصطلحوا . ولنا ، أن الاسم يتناول الجميع حقيقة وعرفا ، فدخلوا في الوصية ، كما لو وصى لإخوته . وقولهم : غير معين . غير صحيح ; فإن مع التعميم يحصل التعيين ، ولذلك لو حلف : لا كلمت موالي . حنث بكلام أيهم كان . وقولهم : إن المولى من فوق أقوى . قلنا : مع شمول الاسم لهم يدخل فيه الأقوى والأضعف . كإخوته ، ولا شيء لابن العم ، ولا للناصر ، ولا لغير من ذكرنا ; لأن الاسم إن لم يتناولهم حقيقة ، لم يتناولهم عرفا ، والأسماء العرفية تقدم على الحقيقة . ولا يستحق مولى ابنه مع وجود مواليه . وقال زفر : يستحق . ولا يصح ; لأن مولى ابنه ليس بمولى له حقيقة ، إذا كان له مولى سواه ، فإن لم يكن له مولى ، فقال الشريف أبو جعفر : يكون لموالي أبيه . وقال أبو يوسف ، ومحمد : لا شيء له ; لأنه ليس بمولى له . واحتج الشريف بأن الاسم يتناول موالي أبيه مجازا ، فإذا تعذرت الحقيقة ، وجب صرف الاسم إلى مجازه ، والعمل به ، تصحيحا لكلام المكلف عند إمكان تصحيحه ، ولأن الظاهر إرادته المجاز ، لكونه محملا صحيحا ، وإرادة الصحيح أغلب من إرادة الفاسد . فإن كان له موال وموالي أب حين الوصية ، ثم انقرض مواليه قبل الموت ، لم يكن لموالي الأب شيء على مقتضى ما ذكرناه ، لأن الوصية كانت لغيرهم ، فلا تعود إليهم إلا بعقد ، ولم يوجد . ولا يشبه هذا قوله : أوصيت لأقرب الناس إلي . وله ابن وابن ابن ، فمات الابن ، حيث يستحق ابن الابن ، وإن كان لا يستحق مع حياة الابن شيئا ; لأن الوصية هاهنا لموصوف بصفة وجدت في ابن الابن ، كوجودها في الابن حقيقة ، وفي المولى يقع الاسم على مولى نفسه حقيقة ، وعلى مولى أبيه مجازا ، فمع وجودهم جميعا ، لا يحمل اللفظ إلا على الحقيقة ، وهذه الصفة لا توجد في مولى أبيه . قال الشريف : ويدخل في الوصية للموالي مدبره ، وأم ولده ; لأن [ ص: 135 ] الوصية إنما تستحق بعد الموت ، وهم حينئذ موال في الحقيقة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية