الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4947 ) فصل : فأما الكفار فيتوارثون ، إذا كان دينهم واحدا ، لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يرث المسلم الكافر } دليل على أن بعضهم يرث بعضا . وقوله : { لا يتوارث أهل ملتين شتى } . دليل على [ ص: 247 ] أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضا . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { وهل ترك لنا عقيل من دار } . دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر ، وعلي لأنهما كانا مسلمين ، وكان عقيل على دين أبيه ، مقيما بمكة ، فباع رباعه بمكة ، فلذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أين تنزل غدا ؟ قال : { وهل ترك لنا عقيل من رباع } . وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس : يرثها أهل دينها . فإن اختلفت أديانهم ، فاختلف عن أحمد ، فروي عنه ، أن الكفر كله ملة واحدة ، يرث بعضهم بعضا . رواه عنه حرب ، واختاره الخلال . وبه قال حماد ، وابن شبرمة ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وداود ; لأن توريث الآباء من الأبناء ، والأبناء من الآباء ، مذكور في كتاب الله تعالى ذكرا عاما ، فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع ، وما لم يستثنه الشرع يبقى على العموم ، ولأن قول الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } عام في جميعهم . وروي عن أحمد ، أن الكفر ملل مختلفة ، لا يرث بعضهم بعضا . اختاره أبو بكر ، وهو قول كثير من أهل العلم ; لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يتوارث أهل ملتين شتى } . ينفي توارثهما ، ويخص عموم الكتاب ، ولم نسمع عن أحمد تصريحا بذكر أقسام الملل . وقال القاضي أبو يعلى : الكفر ثلاث ملل : اليهودية ، والنصرانية ، ودين من عداهم ; لأن من عداهم يجمعهم أنهم لا كتاب لهم . وهذا قول شريح ، وعطاء ، وعمر بن عبد العزيز ، والضحاك ، والحكم . والثوري ، والليث ، وشريك ، ومغيرة الضبي ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، ووكيع . وروي ذلك عن مالك . وروي عن النخعي ، والثوري ، القولان معا . ويحتمل كلام أحمد رضي الله عنه أن يكون الكفر مللا كثيرة ، فتكون المجوسية ملة ، وعبادة الأوثان ملة أخرى ، وعبادة الشمس ملة ، فلا يرث بعضهم بعضا . روي ذلك عن علي . وبه قال الزهري ، وربيعة وطائفة من أهل المدينة ، وأهل البصرة ، وإسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يتوارث أهل ملتين شتى } . ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم ، ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضا ، كالمسلمين والكفار ، والعمومات في التوريث مخصوصة ، فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ، ولأن مخالفينا قطعوا التوارث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام ، مع اتفاقهم في الملة ، لانقطاع الموالاة ، فمع اختلاف الملة أولى . وقول من حصر الملة بعدم الكتاب غير صحيح ، فإن هذا وصف عدمي ، لا يقتضي حكما ، ولا جمعا ، ثم لا بد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره ، ثم قد افترق حكمهم ، فإن المجوس يقرون بالجزية ، وغيرهم لا يقر بها ، وهم مختلفون في معبوداتهم ، ومعتقداتهم ، وآرائهم ، يستحل بعضهم دماء بعض ، ويكفر بعضهم بعضا ، فكانوا مللا كاليهود والنصارى . وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه فإن إسماعيل بن أبي خالد ، روى عن الشعبي ، عن علي عليه السلام أنه جعل الكفر مللا مختلفة . ولم يعرف له مخالف في الصحابة ، فيكون إجماعا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية