مسألة : قال الشافعي : وكذلك تترك العرب اللحكاء والعظاء والخنافس ، فكانت داخلة في معنى الخبائث وخارجة من معنى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت ، فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل ، فإن كانت العرب تأكله فهو داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم : لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره ، فهو داخل في معنى الخبائث ، ولا بأس بأكل الضب ، ، ولو كان حراما ما تركه وأكله . وضع بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعافه ، فقيل : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأكل منه بين يديه وهو ينظر إليه
قال الماوردي : وهذا صحيح ، حرام ، فالهوام ما كان مؤذيا كالحيات والعقارب ، وحشراتها ما ليس بمؤذ ، كالخنافس ، والجعلان ، والديدان والنمل ، والوزغ والعظاء ، واللحكاء وهي دويبة كالسمكة تسكن في الرمال إذا أحست بالإنسان غاصت فيه ، وهي صقيلة الجلدة ، والعرب تشبه أنامل المرأة بها ، والوزع وهو كالسمكة خشنة الجلد ، ويعرض مقدمها ، ويدق مؤخرها ، فهذا كله غير مأكول . حشرات الأرض وهوامها
[ ص: 147 ] وأباح مالك أكل جميعه ، وكره الحية ، ولم يحرمها ، وكذلك الفأرة والغراب ، وفيما قدمناه من الدليل معه على هذا الأصل مقنع ، وسواء في تحريم الديدان ما تولد في الطعام أو في الأرض ، ومن الفقهاء من أباح ، وحرم أكل ما تولد في الأرض ، وكلاهما مستخبث ، فاستويا . أكل ما تولد في الطعام
وهكذا الذباب والزنابير ، وسواء كان من زنابير العسل وغيرها .
فإن قيل : فإذا كان عسلها مأكولا ، فهلا كان أكلها حلالا ؟
قيل : هي مستخبثة ومؤذية ، وليس يمتنع أن يحرم أكلها ، وإن حل عسلها كألبان النساء في إباحة شربه مع تحريم لحومهن : فأما ما يحل أكله ، فيكثر تعداده ، وهو ما يمنع الحرم والإحرام من قتله وفيه إذا أصابه المحرم الجزاء إلا يسمع .
وما تولد من بين مأكول وغير مأكول ، فإنه لا يؤكل ، ويجب فيه الجزاء ، تغليبا للحظر في الأمرين .
وقال أبو العباس بن القاص : لا جزاء فيه ، لأنه غير مأكول ، ووهم فيه ، لأن تغليب الحظر موجبه ، والله أعلم بالصواب .