مسألة : قال الشافعي : " ، وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه " . والسبق أن يسبق أحدهما صاحبه
قال الماوردي : والسبق ضربان :
أحدهما : أن يكون مقيدا بأقدام مشروطة كاشتراطهما السبق بعشرة أقدام ، ولا يتم السبق إلا بها ، ولو سبق أحدهما بتسعة أقدام لم يكن سابقا في استحقاق البدل ، وإن كان سابقا في العمل .
والضرب الثاني : أن يكون مطلقا بغير شرط ، فيكون سابقا بكل قليل وكثير .
قال الشافعي : أول السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو كالكتد أو بعضه .
فأما الهادي فهو العنق ، وأما الكتد يقال بفتح التاء وكسرها ، والفتح أشهر وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه الكتف .
والثاني : أنه ما بين أصل العنق والظهر ، وهو مجتمع الكتفين في موضع السنام من الإبل ، فجعل الشافعي أقل . السبق بالهادي والكتد
وقال الأوزاعي : أقل السبق بالرأس ، وقال المزني : أقل السبق بالأذن استدلالا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر بأذنه . والمقصود بهذا الخبر ضرب المثل على وجه المبالغة ، وليس بحد لسبق الرهان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإن كان بيت لا يبنى كمفحص القطاة ، وإنما لم يعتبر بالأذن كما قال من بنى لله بيتا ولو كمفحص القطاة بنى الله له بيتا في الجنة المزني ، ولا بالرأس كما قال الأوزاعي ، لأن من الخيل ما يزجي أذنه ورأسه ، فيطول ومنها ما [ ص: 197 ] يرفعه ، فتقصر فلم يدل واحد منهما على التقديم ، وإذا سقط اعتبارها ثبت اعتبار الهادي والكتد ، ولو اعتبر السبق بأيديهما ، فأيهما تقدمت يداه وهو السابق كان عندي أصح ، لأن السعي بهما والجري عليهما ، لكن الشافعي اعتبره بالهادي والكتد .
فأما السبق بالكتد فمتحقق ، سواء اتفق الفرسان في الطول والقصر أو تفاضلا .
وأما السبق بالهادي ، وهو العنق ، فلا يخلو حال الفرسين أن يتساويا فيه أو يتفاضلا ، فإن تساويا في طوله أو قصره ، فأيهما سبق بالعنق كان سابقا ، وإن تفاضلا في طوله أو قصره ، فإن سبق بالعنق أقصرهما عنقا كان سابقا ، وإن سبق بالعنق أطولهما عنقا لم يكن سابقا إلا أن ينضاف لسبق بكتده ، لأنه سبقه بعنقه إنما كان لطوله لا لزيادة جريه .
فإن قيل : فإذا كان السبق بالكتد صحيحا مع اختلاف الخلقة ، فلم اعتبر بالعنق الذي يختلف حكمها باختلاف الخلقة .
قيل : لأن السبق بالكتد يتحقق للقريب دون البعيد ، والسبق بالعنق يشاهده ويتحققه القريب والبعيد ، وربما دعت الضرورة إليه ليشاهده شهود السبق فشهدوا به للسابق شهودا يستوقفون عند الغاية ليشهدوا للسابق على المسبوق ، فلو سبق أحدهما عند الغاية بهاديه أو كتده ثم جريا بعد الغاية ، فتقدم المسبوق بعدها على السابق بهديه أو كتده كان السبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق بعدها ، لأن ما يجاوز الغاية غير داخل في العقد ، فلم يعتبر ، وهكذا لو سبق أحدهما قبل الغاية ثم سبق الآخر عند الغاية كان السبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق قبلها لاستقرار العقد على السبق إليها .