الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " والسبق أن يسبق أحدهما صاحبه ، وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والسبق ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مقيدا بأقدام مشروطة كاشتراطهما السبق بعشرة أقدام ، ولا يتم السبق إلا بها ، ولو سبق أحدهما بتسعة أقدام لم يكن سابقا في استحقاق البدل ، وإن كان سابقا في العمل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون مطلقا بغير شرط ، فيكون سابقا بكل قليل وكثير .

                                                                                                                                            قال الشافعي : أول السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو كالكتد أو بعضه .

                                                                                                                                            فأما الهادي فهو العنق ، وأما الكتد يقال بفتح التاء وكسرها ، والفتح أشهر وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه الكتف .

                                                                                                                                            والثاني : أنه ما بين أصل العنق والظهر ، وهو مجتمع الكتفين في موضع السنام من الإبل ، فجعل الشافعي أقل السبق بالهادي والكتد .

                                                                                                                                            وقال الأوزاعي : أقل السبق بالرأس ، وقال المزني : أقل السبق بالأذن استدلالا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر بأذنه . والمقصود بهذا الخبر ضرب المثل على وجه المبالغة ، وليس بحد لسبق الرهان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من بنى لله بيتا ولو كمفحص القطاة بنى الله له بيتا في الجنة وإن كان بيت لا يبنى كمفحص القطاة ، وإنما لم يعتبر بالأذن كما قال المزني ، ولا بالرأس كما قال الأوزاعي ، لأن من الخيل ما يزجي أذنه ورأسه ، فيطول ومنها ما [ ص: 197 ] يرفعه ، فتقصر فلم يدل واحد منهما على التقديم ، وإذا سقط اعتبارها ثبت اعتبار الهادي والكتد ، ولو اعتبر السبق بأيديهما ، فأيهما تقدمت يداه وهو السابق كان عندي أصح ، لأن السعي بهما والجري عليهما ، لكن الشافعي اعتبره بالهادي والكتد .

                                                                                                                                            فأما السبق بالكتد فمتحقق ، سواء اتفق الفرسان في الطول والقصر أو تفاضلا .

                                                                                                                                            وأما السبق بالهادي ، وهو العنق ، فلا يخلو حال الفرسين أن يتساويا فيه أو يتفاضلا ، فإن تساويا في طوله أو قصره ، فأيهما سبق بالعنق كان سابقا ، وإن تفاضلا في طوله أو قصره ، فإن سبق بالعنق أقصرهما عنقا كان سابقا ، وإن سبق بالعنق أطولهما عنقا لم يكن سابقا إلا أن ينضاف لسبق بكتده ، لأنه سبقه بعنقه إنما كان لطوله لا لزيادة جريه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا كان السبق بالكتد صحيحا مع اختلاف الخلقة ، فلم اعتبر بالعنق الذي يختلف حكمها باختلاف الخلقة .

                                                                                                                                            قيل : لأن السبق بالكتد يتحقق للقريب دون البعيد ، والسبق بالعنق يشاهده ويتحققه القريب والبعيد ، وربما دعت الضرورة إليه ليشاهده شهود السبق فشهدوا به للسابق شهودا يستوقفون عند الغاية ليشهدوا للسابق على المسبوق ، فلو سبق أحدهما عند الغاية بهاديه أو كتده ثم جريا بعد الغاية ، فتقدم المسبوق بعدها على السابق بهديه أو كتده كان السبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق بعدها ، لأن ما يجاوز الغاية غير داخل في العقد ، فلم يعتبر ، وهكذا لو سبق أحدهما قبل الغاية ثم سبق الآخر عند الغاية كان السبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق قبلها لاستقرار العقد على السبق إليها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية