فصل : ثم لا يصح الاستثناء فيها مع الاتصال إلا بالكلام ، فإن نواه بقلبه ولم يتكلم به لم يصح ؛ لأن اليمين لما ينعقد بالنية لم يصح الاستثناء فيها بالنية ، ولزم أن يكون الاستثناء نطقا كما لزم أن يكون اليمين نطقا .
فإن قيل : أفليس لو كان شرطا في عتقه فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يعتق عليه إلا بدخول الدار ، وإن لم يذكره نطقا ، فهذا الاستثناء كان هكذا . قال لعبده : أنت حر ونوى بقلبه إن دخل الدار
قيل : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الاستثناء رافع كالنسخ ، ولا يكون النسخ إلا بالكلام كذلك الاستثناء ، والشرط تخصيص بعضه ، وتخصيص العموم يجوز بالقياس من غير كلام .
والثاني : أنه مبطل لظاهر الكلام ، فلم يبطل إلا بمثله من كلام ظاهر ، والشرط ثبت فحمل الكلام المحتمل على مقتضى الشرط ، فلم يفتقر إلى الكلام فافترقا .
[ ص: 284 ] ثم لا حكم لتلفظه في الاستثناء بمشيئة الله تعالى حين يقوله ناويا به الاستثناء ، فإن لم ينوه وسيق في لسانه من غير قصد أو جرى به عادته أن يذكر مشيئة الله تعالى في سائر أحواله لم يكن استثناء .
ألا ترى أن عقد اليمين لا يصح إلا بالنية والقصد ، ويكون اللغو فيها عفوا ، كذلك استثناؤها ، وإذا ثبت اعتبار النية في الاستثناء نظر ، فإن قصد الاستثناء عند التلفظ بيمينه صح إذا تكلم به بعد يمينه ، وإن لم يقصد مع ابتداء اليمين وقصده مع التلفظ بالاستثناء ، ففي صحته وجهان :
أحدهما : يصح لوجود القصد فيه عند ذكره .
والوجه الثاني : لا يصح لإطلاق اليمين عند ذكره ، ويجوز أن يتقدم على اليمين فيقول : إن شاء الله ، والله لا كلمت زيدا ، ويجوز أن يكون الاستثناء وسطا ، فيقول : والله إن شاء الله ، لا كلمت زيدا ؛ لأنه يكون في الأحوال كلها متصلا بكلامه الذي يعتبر حكم أوله بآخره ، وحكم آخره بأوله ، وسواء قال في استثنائه : إن شاء الله ، أو أراد الله ، أو إن أحب الله ، وإن اختار الله ، كل ذلك استثناء . الاستثناء
وكذلك لو قال : بمشيئة الله أو بإرادة الله أو باختيار الله ، فكله استثناء ، والله أعلم بالصواب .