الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن له أن يأخذ من الكفارة والزكاة ، فله أن يصوم وليس عليه أن يتصدق ولا يعتق ، فإن فعل أجزأه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن مصرف الكفارات في الفقراء والمساكين خاصة ، ومصرف الزكاة في الفقراء والمساكين ، وفي بقية أهل السهمان الثمانية ، فاشترك الفقراء والمساكين في الكفارات والزكاة ، واختصت الزكاة ببقية الأصناف دون الكفارات . هذا الكلام في مصرفها .

                                                                                                                                            فأما وجوبها ، فكل من وجبت عليه الزكاة وجب عليه التكفير بالمال ، وقد يجب التكفير بالمال على من لا تجب عليه الزكاة إذا ملك أقل من نصاب ، وقد يجب التكفير بالمال على من يحل له الزكاة والكفارة ، وهو من وجدها فاضلة عن قوته وقوت عياله ، ولا يصير بفضلها غنيا ، فيجب عليه التكفير بالمال دون الصيام ، لوجودها في ملكه فاضلة عن كفاية وقته ، ويحل له أن يأخذ من الزكوات والكفارات لدخوله في حكم الفقر والمسكنة بعدم الكفاية المستديمة ، وقد يسقط التكفير بالمال ويعدل عنه إلى الصيام من يحرم عليه أخذ الزكاة والكفارة ، وهو الجلد المكتسب قدر كفايته في كل يوم من غير زيادة يكفر بالصيام دون المال لعدمه في ملكه ، وتحرم عليه الكفارة والزكاة ، لاستغنائه عنها بمكسبه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا كان الأمر على هذا التفصيل ، فلم قال الشافعي : ومن له أن يأخذ من الكفارة والزكاة فله أن يصوم ، وقد قلتم فيما فضلتم : إنه قد يجوز أن يأخذ من الزكاة والكفارة من لا يجوز أن يصوم عنه في الكفارة ، فمنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الشافعي أشار إلى الأغلب من أحوال الناس ، والأغلب ما قاله .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشافعي قصد به أبا حنيفة حيث اعتبر الغنى والفقر بوجود النصاب وعدمه ، وهو عنده معتبر بوجود الكفاية المستديمة فيكون غنيا ، وإن لم يملك نصابا إذا كان مكتسبا بيديه ، ويكون فقيرا وإن ملك نصابا إذا كان دون كفايته ، وقد أوضحنا ذلك في قسمة الصدقات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية