الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار في موضع فحول ، لم يحنث ، إلا أن ينوي أن يدخلها ، فيحنث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو حال من حلف ، لا يدخل هذه الدار من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يطلق يمينه في دخولها ، ولا يسمي موضع دخوله إليها ، فيحنث بدخولها من بابها ، وغير بابها ، من ثقب فيها ، أو جدار تسوره ، حتى دخلها لأن عقد اليمين في الإطلاق مقصور على الدخول ، دون المدخل .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يحلف : " لا دخلتها من هذا الباب " ، فإن دخلها منه حنث ، وإن دخلها من باب استحدث لها ، لم يحنث ، سواء فعل ذلك الباب من الأول إلى المستحدث ، أو ترك .

                                                                                                                                            وحكى أبو حامد الإسفراييني عن بعض أصحابنا أنه إن نقل باب الأول إلى الثاني ، حنث بدخول الثاني دون الأول ، وإن ترك على الأول حنث بدخول الأول ، ولم يحنث بدخول الثاني فجعل الباب معتبرا بالخشب المنحوت دون الفتح المعقود ، والذي عليه جمهور أصحابنا هو المعول عليه من مذهب الشافعي أن الباب معتبر بالفتح المعقود ، دون الخشب المنصوب ؛ لأن الباب على ما يكون منه الدخول ، والخروج ، وذلك من الفتح المعقود ، فكان أحق بالاسم من الخشب المنصوب .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يحلف لا دخلت هذه الدار من بابها ، ولا يشير إلى باب [ ص: 359 ] بعينه ، فإن تسور عليها من جدارها ، أو دخل من ثقب في حائطها لم يحنث ، وإن دخل من بابها الموجود لها وقت يمينه حنث ، وإن استحدث لها باب غيره فدخل منه ، ففي حنثه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو ظاهر ما نص عليه الشافعي في هذا الموضع ، أنه لا يحنث ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة ؛ لأن اليمين انعقدت على باب موجود ، فكان شرطا في الحنث ، كما لو حلف : " لا دخلت دار زيد " فباعها زيد ، لم يحنث .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أظهرهما وبه قال أبو إسحاق المروزي أنه يحنث : لأن الحادث باب لها فصار داخلا من بابها فصار كما لو حلف : " لا دخلت هذه الدار التي لزيد " فباعها زيد ، حنث بدخولها ، فيكون نص الشافعي محمولا على تعيين الباب دون إبهامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية