الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف أن لا يشرب سويقا فأكله ، أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه ، أو لا يشرب شيئا فذاقه ، فدخل بطنه لم يحنث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الأفعال أنواع كالأعيان ، فإذا تعلقت اليمين بنوع من فعل ، فهي كتعلقها بنوع من يمين ، فلا يحنث بغير ذلك العين ، كما لا يحنث بغير تلك العين .

                                                                                                                                            والأكل نوع ، والشرب نوع ، والذوق نوع ، والطعم نوع ، ولكل نوع من هذه الأربعة صفة متميزة تختص به .

                                                                                                                                            وإن جاز أن يقع الاشتراك في بعض الصفات ، فإذا حلف لا يشرب هذا السويق ، [ ص: 418 ] فشربه أن يمزجه بالماء ويشربه كشربه الماء ، فإن شربه على هذه الصفة حنث . وإن بله حتى اجتمع وأكله مضغا لم يحنث ، لأنه آكل وليس بشارب ، ولو استفه سفا لم يحنث لأنه ليس بشارب ولا آكل ، وإن حلف لا آكل هذا الخبز ، فأكله أن يمضغه بفمه ، ويزدرده إلى جوفه ، فإن أكله على هذه الصفة حنث ، وإن رضه ، ومزجه بالماء وشربه لم يحنث ، لأنه شارب ، وليس بآكل .

                                                                                                                                            ولو ابتلعه من غير مضغ لم يحنث ، لأنه ليس بآكل ، ولا شارب ، ولا يحنث في الأكل والشرب إلا بما وصل إلى الجوف ، فإن حلف لا ذاق هذا الطعام ، فالذوق أن يعرف طعمه بفمه .

                                                                                                                                            وهل يحتاج مع معرفة طعمه بفمه إلى وصول يسير منه إلى جوفه ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يكمل الذوق إلا بوصول يسير منه إلى جوفه ، ليمر في الحلق ، وهو الظاهر من نص الشافعي .

                                                                                                                                            فإن لم يصل شيء منه إلى الجوف لم يكن ذائقا ولا حانثا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أظهر أنه لا يعتبر فيه إلا معرفة الطعم دون الوصول إلى الجوف ، لمفارقته للأكل والشرب المختصان بالوصول إلى الجوف .

                                                                                                                                            فإن أكل هذا الذائق أو شرب حنث ، لأنه قد ذاق وزاد .

                                                                                                                                            وإن حلف لا يطعم هذا الطعام ، فالتطعم معرفة طعمه بلسانه ، ولا اعتبار بوصول شيء منه إلى جوفه ، فإذا عرف طعمه حنث ، فإن ذاقه أو أكله أو شربه حنث ، لأنه قد تطعم وزاد .

                                                                                                                                            وإن حلف لا أطعم هذا الطعام ، حنث بأكله وشربه ، ولم يحنث بذوقه وطعمه ، لفرق ما بين الطعم والتطعم ، لأن الطعم ما صار طعاما له ، والتطعم ما عرف طعمه .

                                                                                                                                            فلو أوجر الطعام بقمع في حلقه ، ولم يدن في لهوات فمه ، حتى وصل إلى جوفه ، فإن كانت يمينه على الأكل والشرب والذوق والتطعم لم يحنث لعدم شروطها في الوجوه كلها ، وإن كانت على أن لا يطعم حنث ، لأنه قد وصل إلى جوفه ، فصار طعاما له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية