الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإذا حلف لا يأكل هذه التمرة ، فوقعت في تمر ، فإن أكله إلا تمرة أو هلكت منه تمرة ، لم يحنث حتى يستيقن أنه أكلها ، والورع أن يحنث نفسه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما إذا حلف : لا يأكل هذه التمرة ، فأكلها إلا نواها وقمعها حنث ، لأنه أكل مأكولها ، وألقى غير مأكولها ، فانصرفت اليمين في الأكل إلى المأكول منها ، ولم تنصرف إلى غير المأكول . ولو أكلها إلا يسيرا منها كنقرة طائر لم يحنث .

                                                                                                                                            وقال مالك : يحنث .

                                                                                                                                            وهكذا لو حلف لا يأكل هذا الرغيف ، فأكله إلا لقمة منه لم يحنث .

                                                                                                                                            وقال مالك : يحنث إذا أكل أكثره ، اعتبارا بالأغلب .

                                                                                                                                            وهذا خطأ ، لأن شرط الحنث إذا لم يكمل ارتفع به الحنث في الحالين .

                                                                                                                                            فأما إذا وقعت التمرة التي حلف عليها أن لا يأكلها في تمر اختلطت به ، فإن أكل جميع التمر حنث ، لإحاطة علمنا بأنه قد أكلها مع غيرها .

                                                                                                                                            وقد وافق على هذا أبو سعيد الإصطخري ، وإن خالف في السمن ، وهو حجة تعيده إلى الوفاق .

                                                                                                                                            وإن أكل جميع التمر إلا تمرة ، أو هلك من جميع التمر تمرة ، لم تخل من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلم أنه قد أكل تلك التمرة ، فيحنث .

                                                                                                                                            [ ص: 421 ] والثاني : أن يعلم أنها الباقية التي لم يأكلها ، فلا يحنث .

                                                                                                                                            والثالث : أن يشك ، هل أكلها أو لم يأكلها ، فلا حنث عليه ، لجواز أن يكون المحلوف عليها هي الباقية ، أو الهالكة ، فصار الحنث مشكوكا فيه ، والحنث لا يقع بالشك ، ومستحب له في الورع أن يحنث نفسه احتياطا اعتبارا بالأغلب من حالها أنها في المأكول ، مع تجويز بقائها في العادة .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا علقتم حكم الوجوب بالغالب من حال هذا ، فحكمتم بحنثه ، كما حكمتم فيمن حلف ليضربن عبده مائة ضربة ، فجمع مائة شمراخ ، وضربه بها ضربة ، وشك في وصول جميعها إلى جسده أنه يبر تغليبا للظاهر في وصول جميعها إلى جسده ، وإن كانت لا تصل لطائفها .

                                                                                                                                            قيل : لوقوع الفرق بينهما بأن المعدود في الضرب معفو ، والوقوع في المحل معلوم ، والحائل دونه مشكوك فيه ، يعمل على الظاهر ، ولم يؤخذ بالشك ، وخالف التمرة ، لأن فعل الأكل فيها غير معلوم ، وهو المختص بالشك ، فاطرح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية