الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف ما له مال وله عرض أو دين حنث إلا أن يكون نوى غير ذلك فلا يحنث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الأموال ضربان : أعيان ، وديون .

                                                                                                                                            فأما الأعيان فجميعها أموال متمولة إذا صح أن تملك بعوض ، ويزال الملك عنها بعوض سواء كان من الأعيان المزكاة كالذهب والفضة والمواشي والزروع ، أو كان غير مزكى كالثياب والأثاث والعقار .

                                                                                                                                            فإذا حلف : ما له مال ، حنث بجميعها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : المال ما وجب فيه الزكاة ، وليس بمال ما لم تجب فيه الزكاة .

                                                                                                                                            وقال مالك : المال هو الذهب والفضة دون غيرهما ، ولا يحنث في اليمين إلا بهما ، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى : خذ من أموالهم صدقة [ التوبة : 103 ] ، وبقوله تعالى : والذين في أموالهم حق معلوم [ المعارج : 24 ] ، فدل على أن ما لا [ ص: 450 ] زكاة فيه خارج من اسم المال ؛ لخروجه من حكم الزكاة .

                                                                                                                                            ودليلنا قول الله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ الأنعام : 152 ] ، وقال تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء : 10 ] ، ومعلوم أن هذا الحظر متناول لجميع الأصناف ، فدل على أن جميعها أموال .

                                                                                                                                            وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : وخير المال سكة مأبورة ، ومهر مأمورة يريد بالسكة النخيل المصطفة ، ومنه سمي الدرب سكة ؟ لامتداده .

                                                                                                                                            والمأبورة هي التي يؤبر ثمرها ، والمهرة المأمورة هي الكثيرة النسل ، فجعل النخل والخيل من الأموال ولأن الأعيان المتمولة في العادة تكون أموالا كالزكاة ؛ ولأن حقيقة المال ما يقتنى ويتمول ، وهذا المعنى موجود في غير الزكاة كوجوده في المزكى .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الآيتين ، فهو أن العموم وإن تناول جميعها ، فهو مخصوص في الزكاة ببعضها مع بقاء الاسم في الخصوص ، كما بقي اسم السارق على من سرق أقل من نصاب ، وإن خص بسقوط القطع عنه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية