الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن عليه فيه هذا النذر أن يحرم بحج أو عمرة ، فله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يطلق في نذره صفة قصده ، ولا يشترط فيه ركوبا ، ولا مشيا فيقول : لله علي أن أقصد بيت الله الحرام ، أو أذهب إليه ، أو أمضي إليه أو أتوجه إليه ، فهو مخير إذا خرج بين الركوب والمشي .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يشترط في نذره صفة قصده بركوب أو مشي فيقول : لله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام ، أو أركب إلى بيت الله الحرام ، ففي لزوم هذين الشرطين في نذره ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه لا يلزمه الركوب ولا المشي ؛ لأنه لما لم يجب واحد منهما بالشرع لم يجب بالنذر ، وله أن يركب إن شرط المشي ، ويمشي إن شرط الركوب .

                                                                                                                                            وقد روى يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله ، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فقال : لتمش أو لتركب فخيرها بين المشي والركوب ، فدل على سقوط الشرط في المشي والركوب .

                                                                                                                                            [ ص: 471 ] والوجه الثاني : أنهما يجبان بالشرط ؛ فيلزمه أن يمشي إذا شرط المشي ويلزمه أن يركب إذا شرط الركوب ، لأن في المشي زيادة عمل ، وفي الركوب زيادة نفقة ، وكلاهما قربة لله تعالى ، وليس من شرط النذر أن لا يلزم فيه إلا ما وجب بالشرع كما يلزم فيه الأضحية والاعتكاف ، وإن لم يجب فيه الشرع .

                                                                                                                                            والوجه الثالث وهو أشبه : أن المشي يلزم باشتراطه ، ولا يلزم الركوب باشتراطه ؛ لأن في المشي مشقة ، فلزم لتغليظه ، وفي الركوب ترفيه ، فلم يلزم لتحقيقه ، وأداء الأخف بالأغلظ مجزئ ، وأداء الأغلظ بالأخف غير مجزئ .

                                                                                                                                            وقد روي أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : " ما آسى على شيء كما آسى على أن لو حججت في شبابي ماشيا " .

                                                                                                                                            وقد سمعت الله تعالى يقول : يأتوك رجالا وعلى كل ضامر [ الحج : 27 ] ، فبدأ بالرجالة قبل الركبان .

                                                                                                                                            فإن قيل بالوجه الأول : إن المشي والركوب لا يجبان بالشرط ، لزمه أن يحرم بالحج من ميقاته ، ولم يلزمه الإحرام فيه من بلده اعتبارا بفرض الحج في الإحرام كما اعتبر بفرضه في سقوط المشي والركوب .

                                                                                                                                            وإن قيل بالوجه الثاني إن المشي والركوب يجبان بالشرط ابتدأ بكل واحد منهما عند مسيره من دويرة أهله ولزمه الإحرام فيه من بلده ؛ لأنه لما صار المشي والركوب من حقوق هذا الحج ، المندوب ، وإن لم يكن من حقوق حج الإسلام وجب أن يقترن به الإحرام ليصير به داخلا في لوازم النذر .

                                                                                                                                            وإن قيل بالوجه الثالث : إن المشي واجب بالشرط ، والركوب غير واجب بالشرط ، لزمه في اشتراط المشي أن يحرم من بلده ، وفي اشتراط الركوب أن يحرم من ميقاته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية