الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2998 - "أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة؛ ثم غسل كفيه ؛ نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة؛ فإذا غسل وجهه؛ نزلت خطيئته من سمعه؛ وبصره؛ مع أول قطرة؛ فإذا غسل يديه إلى المرفقين؛ ورجليه إلى الكعبين؛ سلم من كل ذنب هو له؛ ومن كل خطيئة؛ كهيئته يوم ولدته أمه؛ فإذا قام إلى الصلاة؛ رفعه الله - عز وجل - بها درجة؛ وإن قعد؛ قعد سالما "؛ (حم)؛ عن أبي أمامة ؛ (ح) .

التالي السابق


(أيما رجل قام إلى وضوئه) ؛ يحتمل كونه بفتح الواو؛ أي: الماء؛ ليتوضأ منه؛ ويحتمل بالضم؛ أي: إلى فعل الوضوء ؛ (يريد الصلاة) ؛ بذلك الوضوء؛ (ثم غسل كفيه؛ نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة) ؛ تقطر منهما؛ قال القاضي : هو مجاز عن غفرانها؛ لأنها ليست بأجسام؛ فتخرج حقيقة؛ وكذا يقال فيما بعده؛ وقال الطيبي : هذا وما بعده تمثيل وتصوير لبراءته عن الذنوب كلها؛ على سبيل المبالغة؛ لكن هذا العام خص بالتغاير؛ (فإذا غسل وجهه؛ نزلت خطيئته من سمعه؛ وبصره؛ مع أول قطرة) ؛ تقطر منه؛ (فإذا غسل يديه إلى المرفقين؛ ورجليه إلى الكعبين؛ سلم من كل ذنب هو له؛ ومن كل خطيئة؛ كهيئة يوم ولدته أمه) ؛ ويصير سالما من الذنوب؛ مثل وقت ولادته؛ (فإذا قام إلى الصلاة) ؛ وصلاها؛ (رفعه الله - عز وجل - بها درجة) ؛ أي: منزلة عالية في الجنة؛ (وإن قعد) ؛ أي: عن الصلاة؛ أي: لم يصلها بذلك؛ (قعد سالما ) ؛ من الخطايا؛ قال الطيبي : فإن قلت: ذكر لكل عضو ما يختص به من الذنوب؛ وما يزيلها عن ذلك العضو؛ والوجه مشتمل على الأنف؛ والفم؛ فلم خصت بالذكر دونهما؟ قلت: العين طليعة القلب؛ ورائده؛ وكذا الأذن؛ فإذا ذكرا؛ أغنيا عن سائرها؛ قال: والبصر واليد والرجل؛ كلها تأكيدات تفيد مبالغة في الإزالة؛ واعلم أنه قد زاد في رواية للطبراني - بعد غسل اليدين إلى المرفقين -: "فإذا مسح برأسه؛ تناثرت خطاياه من أصول الشعر" ؛ والمراد بخطايا الرأس نحو الفكر في محرم؛ وتحريك الرأس استهزاء بمسلم؛ وتمكين المرأة أجنبيا من مسه مثلا؛ والخيلاء بشعره؛ والعمامة؛ وإرسال العذبة فخرا وكبرا؛ ونحو ذلك.

(تنبيه) : قال القصيري : ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل يديه؛ تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله؛ ونفضهما مما يشغله عنه؛ وبالمضمضة؛ تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة؛ وبالاستنشاق؛ إخراج استرواح روائح محبوباته؛ [ ص: 156 ] وبتخليل الشعر؛ حله من أيدي ما يملكه؛ ويهبطه من أعلى عليين؛ إلى أسفل سافلين؛ وبغسل وجهه؛ تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى؛ ومن طلب الجاه المذموم؛ وتخشعه لغير الله؛ وتطهير الأنف من الأنفة؛ والكبر؛ والعين من التطلع إلى المكروهات؛ والنظر لغير الله بنفع؛ أو ضر؛ واليدين؛ تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله؛ والرأس؛ زوال الترؤس والرياسة؛ الموجبة للكبر؛ والقدمين؛ تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات؛ واتباع الهوى؛ وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز؛ وهكذا؛ ليصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس (تعالى) .

(حم؛ عن أبي أمامة ) ؛ الباهلي ؛ قال المنذري : رواه أحمد وغيره؛ من طريق عبد الحميد بن بهرام ؛ عن شهر بن حوشب ؛ وقد حسبها الترمذي لغير هذا المتن؛ وهو إسناد حسن في المتابعات؛ لا بأس به.




الخدمات العلمية