الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3108 - "الأئمة من قريش ؛ أبرارها أمراء أبرارها؛ وفجارها أمراء فجارها ؛ وإن أمرت عليكم قريش عبدا حبشيا مجدعا؛ فاسمعوا له وأطيعوا؛ ما لم يخير أحدكم بين إسلامه؛ وضرب عنقه؛ فإن خير بين إسلامه؛ وضرب عنقه؛ فليقدم عنقه"؛ (ك هق)؛ عن علي ؛ (ح) .

التالي السابق


( الأئمة من قريش ) ؛ لفظ "الأئمة"؛ جمع تكسير؛ معرف باللام؛ ومحله العموم؛ على الصحيح؛ وبه احتج الشيخان يوم السقيفة؛ فقبله الصحب؛ وأجمعوا عليه؛ ولا حجة لمن منع اشتراط القرشية في خبر السمع والطاعة؛ ولو عبدا؛ لحمله على من أمره الإمام على نحو سرية؛ أو ناحية؛ جمعا بين الأدلة؛ قال السبكي : وفيه شاهد للشافعي بالإمامة؛ بل بانحصار الإمامة؛ لأن "الأئمة من قريش "؛ يدل بحصر المبتدإ على الخبر عليه؛ ولا يعني بالإمامة إمامة الخلافة فحسب؛ بل هي وإمامة العلم؛ والدين؛ (أبرارها أمراء أبرارها؛ وفجارها أمراء فجارها) ؛ قال ابن الأثير : هذا على جهة الإخبار عنهم؛ لا على طريق الحكم فيهم؛ أي: إذا صلح الناس وبروا؛ وليهم الأخيار؛ وإذا فسدوا وفجروا؛ وليهم الأشرار؛ وهو كحديثه الآخر: "كما تكونوا؛ يول عليكم" ؛ قال ابن حجر : وقع مصداق ذلك؛ لأن العرب كانت تعظم قريشا في الجاهلية؛ بسكناها الحرم ؛ فلما بعث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ ودعا إلى الله؛ توقف غالب العرب عن اتباعه؛ وقالوا: ننظر ما يصنع قومه؛ فلما فتح مكة ؛ وأسلمت قريش ؛ تبعوهم؛ ودخلوا في دين الله أفواجا؛ واستمرت الخلافة والإمارة فيهم؛ وصارت الأبرار تبعا للأبرار؛ والفجار تبعا للفجار؛ (وإن أمرت عليكم قريش عبدا حبشيا مجدعا) ؛ بجيم؛ ودال؛ مقطوع الأنف؛ أو غيره؛ (فاسمعوا له؛ وأطيعوا؛ ما لم يخير أحدكم بين إسلامه؛ وضرب عنقه؛ فإن خير بين إسلامه؛ وضرب عنقه؛ فليقدم عنقه) ؛ ليضرب بالسيف؛ ولا يرتد عن الإسلام؛ ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بحال.

(تنبيه) : ذهب الجمهور إلى العمل بقضية هذا الحديث؛ فشرطوا كون الإمام قرشيا؛ وقيده طوائف ببعضهم؛ فقالت طائفة - وهم الشيعة -: لا يجوز إلا من ولد علي ؛ وقالت طائفة: يختص بولد العباس ؛ وهو قول أبو مسلم الخراساني ؛ وأتباعه؛ وقالت طائفة: لا يجوز إلا من ولد جعفر بن أبي طالب ؛ نقله ابن حزم ؛ وقالت أخرى: من ولد عبد المطلب ؛ وقال بعضهم: لا يجوز إلا من ولد أمية ؛ وبعضهم: لا يجوز إلا من ولد عمر ؛ قال ابن حزم : ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق؛ وقال الخوارج وطائفة من المعتزلة : يجوز كون الإمام [ ص: 190 ] غير قرشي؛ وإنما الإمام لمن قام بالكتاب والسنة؛ ولو أعجميا؛ وبالغ ضرار بن عمر ؛ فقال: تولية غير القرشي أولى؛ لأنه أقل عشيرة؛ فإذا عصى؛ أمكن خلعه؛ قال ابن الطيب : ولم يعرج على هذا القول؛ بعد ثبوت خبر: "الأئمة من قريش " ؛ وانعقد الإجماع على اعتباره قبل وقوع الخلاف؛ قال ابن حجر : عمل بقول ضرار من قبل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية ؛ كقطري ؛ ودام فتنتهم أكثر من عشرين سنة؛ حتى أبيدوا؛ فكذا من تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج ؛ كابن الأشعث ؛ ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما؛ فتسمى بالخلافة وليس من قريش ؛ كبني عباد ؛ وغيرهم؛ بالأندلس ؛ وكعبد المؤمن ؛ وذويه؛ ببلاد المغرب كلها؛ وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا؛ ولم يقولوا بأقوالهم؛ ولا تمذهبوا بمذاهبهم؛ بل كانوا من أهل السنة؛ داعين إليها؛ وقال عياض : اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب كافة العلماء؛ وقد عدوها في مسائل الإجماع؛ ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة ؛ قال ابن حجر : ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر ؛ فقد أخرج أحمد عنه بسند رجاله ثقات؛ أنه قال: "إن أدركني أجلي؛ وأبو عبيدة حي؛ استخلفته؛ فإن أدركني أجلي بعده؛ استخلفت معاذ بن جبل " ؛ ومعاذ أنصاري؛ لا قرشي؛ فيحتمل أن يقال: لعل الإجماع انعقد بعد عمر ؛ أو رجع عمر .

(ك) ؛ في المناقب؛ (هق؛ عن علي ) ؛ أمير المؤمنين ؛ قال الحاكم : صحيح؛ وتعقبه الذهبي ؛ فقال: حديثه منكر؛ وقال ابن حجر - رحمه الله -: حديث حسن؛ لكن اختلف في رفعه؛ ووقفه؛ ورجح الدارقطني وقفه؛ قال: وقد جمعت طرق خبر "الأئمة من قريش " ؛ في جزء ضخم؛ عن نحو أربعين صحابيا؛ فقول العلائي : لم أجده؛ ذهول؛ قال التاج السبكي - رحمه الله (تعالى) -: ذكر في المجموع أن حديث "الأئمة من قريش " ؛ في الصحيحين؛ ولعله أراد: بالمعنى؛ وإلا؛ فالذي فيهما: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان" ؛ قال ابن حجر : وفيهما الناس تبع لقريش .




الخدمات العلمية