الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما المختلف فيه ، فهو ما أشبه حيوان البر من دواب الماء من الفأر والكلاب والخنازير ، وقيل : إنه ليس في البر حيوان إلا وفي البحر مثله ، فاختلف الفقهاء في إباحة أكله على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : هو الظاهر من مذهب الشافعي أن جميعه حلال مأكول ، يستوي فيه ما أشبه مباحات البر ومحرماته من كلابه وخنازيره ، وقد قال في كتاب السلم يؤكل فأر الماء .

                                                                                                                                            وقال الربيع : سئل الشافعي عن خنزير الماء فقال : يؤكل ، ولما دخل العراق سئل عن اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى في أكل هذا ، وهذا حرمه أبو حنيفة ، وأحله ابن أبي ليلى ، فقال : أنا على رأي ابن أبي ليلى ، يعني في إباحته وبه قال من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن عباس ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو هريرة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                            وفي التابعين الحسن البصري .

                                                                                                                                            وفي الفقهاء مالك ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وهو قول الجمهور من أصحاب الشافعي ، حكى ابن أبي هريرة عن أبي علي بن خيران أن أكارا له صاد له كلب ماء ، وحمله إليه ، فأكله ، وكان طعمه موافقا لطعم الحوت لا يغادر منه شيئا .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : وهو قول أبي حنيفة أن جميعه حرام لا يؤكل ، ولا يحل من حيوان البحر إلا السمك خاصة ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي .

                                                                                                                                            [ ص: 61 ] وقال الشافعي في بعض كتبه : إنه لا يحل من صيد البحر إلا الحوت ، فاختلف أصحابه في اسم الحوت ، فقال بعضهم : هو من الأسماء العامة ينطلق على جميع حيوان البحر إلا الضفدع ، وما قتل أكله من ذوات السموم ، فعلى هذا لا يختلف قوله في إباحة أكله .

                                                                                                                                            وقال آخرون من أصحابه : إن اسم الحوت خاص بالسمك دون غيره ، فعلى هذا جعلوه قولا ثانيا للشافعي أن أكله حرام ، كقول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : وهو قول بعض أصحاب الشافعي أن ما أشبه مباحات البر من دواب الماء حلال ، وما أشبه محرمات البر من كلاب الماء وخنازيره حرام جميعا بين حيوان البر وحيوان البحر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية