الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : رحمه الله : الخف الإبل والحافر الخيل والنصل كل نصل من سهم أو نشابة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا من قول الشافعي تفسير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا سبق إلا من خف أو حافر أو نصل مبين أن المراد بالخف الإبل : لأنها ذوات أخفاف تعد للطراد ، وأن المراد بالحافر الخيل : لأنها ذوات حوافر للكر والفر .

                                                                                                                                            وقال في موضع : إن الحافر الخيل والبغال والحمير : لأنها تركب إلى الجياد كالإبل ، ويلقى عليها العدو كالخيل قد شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرب هوازن على بغلته الشهباء ، فصار في الحافر قولان .

                                                                                                                                            فأما النصل ، فالمراد به السهم المرمي به عن قوس ، وإن كان النصل اسما لحديدة السهم ، فالمراد به جميع السهم ، فهذه الثلاثة هي التي نص عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواز السبق بها ، فاختلف قول الشافعي فيها ، فقال : يحتمل معنيين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها رخصة مستثناة من جملة محظورة : لأنه أخرج باستثنائه ما خالف حكم أصله ، فعلى هذا لا يجوز أن يقاس على هذه الثلاثة غيرها ، ويكون السبق [ ص: 185 ] مقصورا على التي تضمنها الخبر ، وهي الخف والخف الإبل وحدها ، والحافر وفيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : الخيل وحدها .

                                                                                                                                            والثاني : الخيل والبغال والحمير ، والنصل وهو السهام ، ويكون السبق بما عداها محظورا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : في المعنيين أن النصل على الثلاثة أصل ، فهذا ورد الشرع ببيانه وليس بمستثنى ، وإن خرج مخرج الاستثناء : لأن المراد به التوكيد دون الاستثناء ، فعلى هذا يقاس على كل واحد من الثلاثة ما كان في معناها ، كما قيس على الستة في الربا ما وافق معناها ، وعليه يكون التفريع ، فيقاس على الخف السبق بالفيلة : لأنها ذوات أخفاف كالإبل ، وهي في ملاقاة العدو أنكأ من الإبل ، وهل يقاس عليها السبق بالسفن والطيارات والشدات أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول ابن سريج يجوز السبق عليها : لأنها معدة لجهاد العدو في البحر وحمل ثقله ، كالإبل في البر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز السبق عليها : لأن سبقها بقوة ملاحها دون المقاتل فيها ، فأما السبق بالزوارق الكبار والمراكب الثقال التي لم تجر العادة في لقاء العدو بمثلها فغير جائز على الوجهين معا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية