الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته أو مقصرا فأسرعت به فأصاب حسب مصيبا ولا حكم للريح " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن للريح تأثيرا من تغيير السهم عن جهته ، وحذاق الرماة يعرفون مخرج السهم عن القوس هل هو مصيب أو مخطئ ، فإذا خرج السهم ، فغيرته الريح ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يخرج مفارقا للشن ، فتعدل به الريح إلى الشن فيصيب أو يكون مقصرا عن الهدف ، فتعينه الريح حتى ينبعث ، فيصيب ، فتعتبر حال الريح ، فإن كانت ضعيفة كان محسوبا في الإصابة : لأننا على يقين من تأثير الرمي ، وفي شك من تأثير الريح ، وإن كانت الريح قوية نظر ، فإن كانت موجودة عند إرسال السهم كان محسوبا في الإصابة ؛ لأنه قد اجتهد في التحرز من تأثير الريح بتحريف سهمه ، فأصاب [ ص: 222 ] باجتهاد رميه ، وإن حدثت الريح بعد إرسال السهم ، ففي الاحتساب به وجهان تخريجا من اختلاف قوليه في الاحتساب بإصابة المزدلف :

                                                                                                                                            أحدهما : يحتسب به مصيبا إذا احتسب بإصابة المزدلف .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحتسب مصيبا ، ولا مخالفا إذا لم يحتسب بإصابة المزدلف .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يخرج السهم موافقا للهدف ، فتعدل به الريح حتى يخرج عن الهدف ، فيعتبر حال الريح ، فإذا كانت طارئة بعد خروج السهم عن القوس ألغي السهم ، ولم يحتسب به في الخطأ ؛ لأن التحرز من حدوث الريح غير ممكن ، فلم ينسب إلى سوء الرمي ، وإن كانت الريح موجودة عند خروج السهم نظر فيها ، فإن كانت قوية لم يحتسب به في الخطأ : لأنه أخطأ في اجتهاده الذي يتحرز به من الريح ، ولم يخطئ من سوء الرمي ، وإن كانت الريح ضعيفة ، ففي الاحتساب به من الخطأ وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون خطأ : لأننا على يقين من تأثير الرمي ، وفي شك من تأثير الريح .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يكون محسوبا في الخطأ ؛ لأن الريح تفسد صنيع المحسن ، وإن قلت كما تفسده إذا كثرت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية