الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف لا يأكل لحما فأكل شحما ولا شحما فأكل لحما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما اللحم والشحم ، فيجتمعان من وجهين ، ويفترقان من وجهين . فأما وجه اجتماعهما :

                                                                                                                                            فأحدهما : أن الحيوان الواحد يجمعهما في التزكية والاستباحة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشحم حادث عن اللحم ، وإن لم يكن اللحم حادثا عن الشحم ، فالشحم ما حوله اللحم ، واللحم ما تركب على العظم .

                                                                                                                                            [ ص: 425 ] وأما وجه افتراقهما ، فأحدهما في الاسم ، لأنه لا ينطلق اسم أحدهما على الآخر .

                                                                                                                                            والثاني : في صفته من لون وطعم حتى ماء اللحم أحمر كثيف الجسم ذو طعم ، والشحم أبيض رخو الجسم ذو طعم آخر ، فيحملان في الأيمان على حكم الافتراق . فإذا حلف لا يأكل لحما لم يحنث بأكل الشحم ، وإذا حلف لا يأكل شحما لم يحنث بأكل اللحم . وقال بعض الفقهاء - أحسبه مالكا - : إذا حلف لا يأكل اللحم حنث بأكل الشحم ، وإذا حلف لا يأكل الشحم لم يحنث بأكل اللحم ، فجمع بينهما في اسم اللحم ، وفرق بينهما في اسم الشحم ، فافترقا ، احتجاجا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الله أطلق اسم الشحم على اللحم في قوله : أو لحم خنزير [ الأنعام : 145 ] ، ولم يطلق اسم الشحم على اللحم .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشحم فرع اللحم ، لحدوثه عنه ، وليس اللحم فرعا للشحم ، لحدوثه عن غيره وهذا فاسد من وجهين ، يبطل بهما استدلاله :

                                                                                                                                            أحدهما : أن افتراقهما في الاسم لا يوجب افتراقهما في الحكم .

                                                                                                                                            والثاني : أن الاسم إذا كان له حقيقة ومجاز حمل على حقيقته دون مجازه .

                                                                                                                                            فأما الآية فلأن أحكام الشرع تحمل على الأسماء والمعاني ، والأيمان تحمل على الأسماء دون المعاني .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية