الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " أو رطبا فأكل تمرا أو تمرا فأكل رطبا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            إذا انتقلت أسماء الجنس بانتقال أحواله خرجت من أحكام أيمانه ، فإذا حلف لا يأكل رطبا . فأكل تمرا أو بسرا ، ولم يحنث ، وإن كان الرطب بسرا .

                                                                                                                                            ويصير تمرا لمعنيين .

                                                                                                                                            أحدهما : مفارقته لهما في الاسم .

                                                                                                                                            والثاني : مفارقته لهما في الصفة .

                                                                                                                                            وهكذا لو حلف لا يأكل تمرا ، فأكل رطبا أو بسرا لم يحنث للمعنيين .

                                                                                                                                            وهكذا لو حلف لا يأكل بسرا ، فأكل طلعا أو رطبا أو تمرا لم يحنث للمعنيين .

                                                                                                                                            وأما إذا حلف لا يأكل الرطب أو لا يأكل البسر ، فأكل مناصفة بعضها رطبا وبعضها بسرا ، فإن أكل البسر منها حنث به في البسر ، ولم يحنث به في الرطب . وإن أكل الرطب منها حنث به في الرطب ، ولم يحنث به في البسر .

                                                                                                                                            [ ص: 428 ] وإن أكل جميعها ففيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : - وهو قول الأكثرين - أنه يحنث بها في البسر والرطب ، لما فيها من بسر ورطب .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : - وهو قول أبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن أبي هريرة - أنه لا يحنث بها في البسر ولا في الرطب ، لخروجها في الإطلاق من اسم البسر واسم الرطب .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : - وهو قول أبي الفياض البصري - أنه إن كان أكثرها بسرا حنث بها في البسر ، ولم يحنث بها في الرطب ، وإن كان أكثرها رطبا حنث بها في الرطب ، ولم يحنث بها في البسر ، اعتبارا بالأغلب .

                                                                                                                                            وهكذا إذا حلف لا يأكل عنبا ، فأكل زبيبا لم يحنث ، وإذا حلف لا يأكل زبيبا ، فأكل عنبا لم يحنث ؛ لوجود المعنيين من اختلافهما في الاسم والصفة .

                                                                                                                                            فأما إذا حلف لا يأكل خوخا ، فأكله يابسا ، أو لا يأكل مشمشا ، فأكله يابسا ففي حنثه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يحنث ، لزوال الصفة كالتمر مع الرطب .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحنث ، لبقاء الاسم بخلاف الرطب الذي يزول عنه الاسم . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية