مسألة : قال الشافعي : " أو زبدا فأكل لبنا لم يحنث ؛ لأن كل واحد منها غير صاحبه " .
قال الماوردي : أما إذا حنث بكل لبن مباح من معهود وغير معهود ، فالمعهود ألبان الإبل والبقر والغنم ، وغير المعهود لبن الصيد . وعند ابن سريج أنه يحنث بالمعهود من ألبان النعم ، ولا يحنث بغير المعهود من ألبان الصيد ، كما قال في البيض . حلف لا يأكل لبنا ولا يشرب اللبن
فأما ألبان الخيل فهي معهودة في بلاد الترك ، وغير معهودة في بلاد العرب .
وأما ألبان الآدميات فمعهودة في الصغار ، وغير معهودة في الكبار .
وفي حنثه بالألبان المحرمة ، كألبان الحمير والكلاب وجهان ، كما قلنا في حنثه باللحوم المحرمة :
أحدهما : يحنث اعتبارا بالاسم .
[ ص: 429 ] والثاني : لا يحنث اعتبارا بالشرع .
وأما إذا فالزبد المعهود يكون من لبن البقر والغنم ، وليس لألبان الإبل زبد ، فيحنث بزبد البقر والغنم . حلف لا يأكل زبدا ،
وإن كان لألبان شيء من الصيد زبد ، فهو نادر غير معهود ، فيحنث به على مذهب الشافعي اعتبارا بالاسم ، ولا يحنث به على قول ابن سريج اعتبارا بالعرف .
ولو فهو أول لبن يحدث بالولادة بعد انقطاعه بالحمل إذا وافق وقت الولادة وحلب بعدها ، وفي حنثه بما حلب قبلها وجهان من اختلاف الوجهين فيما تقدم على الولادة من دم النفاس ، هل يكون نفاسا على وجهين : حلف بأكل اللباء ،
إن قيل : يكون نفاسا ، كان هذا اللبن لباء ، وإن قيل : لا يكون نفاسا ، لم يكن هذا اللبن لباء ، وغالب اللباء بعد الولادة ثلاث حلبات ، وربما زاد ونقص بحسب اختلاف الحيوان في القوة والضعف .
وصفته ما خالف اللبن في لونه وقوامه ، فإن لون اللباء يميل إلى الصفرة ، وهو أثخن من اللبن ، وهو عند الرعاة معروف .
وسواء أكله نيئا أو مطبوخا ، وإن كان عرفه أن يؤكل مطبوخا كاللحم .
فإذا تقررت هذه الجملة ، لم يحنث ، لأنه مفارق للزبد في الاسم والصفة . وحلف أن لا يأكل زبدا ، فأكل لبنا
ولو أكل سمنا ففي حنثه وجهان :
أحدهما : وهو قياس قول ابن أبي هريرة يحنث به ، لاشتراكهما في الصفة ، ولو حنث بجميع ما تناوله اسم اللبن على الإطلاق من حليب ومخيض ورائب وذائب وجامد . حلف لا يأكل لبنا
فأما الزبد فلا يحنث به إذا حلف لا يأكل لبنا ، كما لا يحنث بأكل اللبن إذا حلف لا يأكل زبدا . وقال أبو علي بن أبي هريرة : يحنث بالزبد إذا حلف لا يأكل اللبن ، لأنه من اللبن ، ولا يحنث باللبن إذا حلف لا يأكل الزبد ، لأنه ليس اللبن من الزبد .
وعلل ذلك بأن اسم اللبن عام واسم الزبد خاص ، فدخل خصوص الزبد في عموم اللبن ، ولم يدخل عموم اللبن في خصوص الزبد ، وهذا قول فاسد ، ولو كان للفرق بينهما وجه ، لكان عكس قوله أولى ، فيحنث باللبن إذا حلف لا يأكل زبدا ، لأن في اللبن زبدا ، ولا يحنث بالزبد إذا حلف لا يأكل لبنا ، لأنه ليس في الزبد لبن ، فلما [ ص: 430 ] كان هذا فاسدا كان ما ذهب إليه من العكس أفسد ، ووجب أن يعتبر ما قررناه من اجتماع الأمرين الاسم والصفة ، لأنه مستمر في القياس ، فلا يحنث بالزبد إذا حلف لا يأكل اللبن ، ولا يحنث باللبن إذا حلف لا يأكل الزبد ، لأنهما يختلفان في الاسم والصفة .
وعلى هذا القياس إذا حلف لا يأكل اللبن لم يحنث بالجبن والمصل .
لاختلافهما في الاسم والصفة ، وعند وإذا حلف لا يأكل الجبن والمصل لا يحنث باللبن ، ابن أبي هريرة أنه يحنث بالجبن والمصل إذا حلف لا يأكل اللبن ، لأنهما من اللبن ، ولا يحنث باللبن إذا حلف لا يأكل الجبن والمصل ، لأن اللبن لا يكون منهما .
ولو كان لقوله هذا وجه ، لوجب أن يحنث بالتمر إذا حلف لا يأكل رطبا ، لأنه من رطب ولا يحنث بالرطب إذا حلف لا يأكل التمر ، لأنه ليس من التمر ، ولا أحسب ابن أبي هريرة يقول هذا ، وإن كان تعليله يقتضيه ، لأن الإجماع منعقد على خلافه .