مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو لم يحنث حتى يمكنه فيفرط ، وإن عزل فإن [ ص: 448 ] كانت نيته أن يرفعه إليه إن كان قاضيا ، فلا يجب رفعه إليه وإن لم يكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه " . حلف لا يرى كذا إلا رفعه إلى قاض فرآه ، فلم يمكنه رفعه إليه حتى مات ذلك القاضي
قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام : حلف أن لا يرفع إلى القاضي ما رآه من لقطة أو وصية أو منكر ،
أحدها : أن يعين القاضي ، ويصفه بالقضاء .
والثاني : أن يعينه ، ولا يصفه بالقضاء .
والثالث : أن يصفه بالقضاء ، ولا يعينه .
فأما القسم الأول : إذا وصفه وعينه بالقضاء ، فهو أن يقول : أرفعه إلى فلان القاضي أو إلى هذا القاضي ، فللحالف فيما رآه ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يرفعه إليه في ولايته ، فقد بر في يمينه ، لوفائه بها .
والحال الثانية : أن لا يرفعه إليه حتى يموت القاضي أو الحالف ، فينظر ، فإن كان قدر على رفعه إليه قبل الموت حنث في يمينه لتقصيره بها ، وإن لم يقدر على رفعه إليه نظر ، فإن لم يقدر عليه لقصور الزمان لم يحنث ، لأن زمان الإمكان شرط في البر ، وإن لم يقدر لعذر مانع من إكراه أو مرض ، ففي حنثه قولان :
أحدهما : يحنث على قول من لا يراعي الغلبة .
والقول الثاني : لا يحنث على قول من يراعي الغلبة .
والحال الثالثة : أن يعزل القاضي عن ولايته ، فلا يخلو الحالف في تعيين القاضي بالاسم والقضاء من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يريد رفعه إليه في أيام ولايته فيجعل الولاية شرطا في الرفع ، فيجري عزله عنها مجرى موته في الحكم فيه ، كما لو لم يرفعه إليه حتى مات .
والحال الثانية : أن يريد رفعه إليه ولا يجعل الولاية شرطا فيرفعه إليه بعد عزله ، ويكون كحاله لو كان على ولايته ، ولا يلزمه رفعه إلى الوالي بعده ، ولا يبر إن رفعه إليه .
والحال الثالثة : أن لا تكون له نية في ولاية ، ولا عزل ، فهل يعتبر فيه حكم التعيين أو حكم الصفة ؟ على وجهين :
الأول : فمن حلف لا يكلم صبيا ، فكلمه رجلا ، أحدهما يغلب فيه حكم التعيين لقوته ، فعلى هذا يلزمه رفعه إليه بعد عزله ، ويكون كما لو كان على ولايته ، ويحنث بكلام الصبي إذا صار رجلا .
والوجه الثاني : يغلب فيه حكم الصفة ، لأنها كالشروط فلا يبر إن رفعه إليه بعد [ ص: 449 ] عزله ، ولا يحنث بكلام الصبي إذا صار رجلا .
فإن لم يعد القاضي إلى ولايته كان كموته في بر الحالف وحنثه على ما قدمناه ، لاحتمال هذين الوجهين .
وقال الشافعي : " إن لم تكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه لما فيه من احتمال البر والحنث ، ولو حنث نفسه ورعا كان أحوط " .
فهذا حكم القسم الأول .
وأما حكم القسم الثاني ، فهو أن لا يعينه ، ولا يصفه بالقضاء ، وهو أن يقول : أرفعه إلى فلان أو إلى هذا ، فهذا يلزمه رفعه إليه في ولايته وعزله ، فيبر إذا رفعه إليه في الحالين ، ويحنث إذا لم يرفعه إليه في الحالين ، ولا يلزمه رفعه إلى غيره من القضاة ، ولا يبر إن رفعه .
وأما القسم الثالث أن يصفه بالقضاء ، ولا يعينه ، فهو أن يقول : أرفعه إلى القاضي أو إلى قاض ، فلا يبر إن رفعه إلى معزول ، ولا يسقط بعزل قاضي الوقت وموته ، وقام غيره من القضاة مقامه لعقد اليمين على والي القضاء ، ثم ينظر .
فإن قال : أرفعه إلى القاضي ، بالألف واللام لزمه رفعه إلى من تقلد قضاء ذلك البلد دون غيره ، فإن رفعه إلى غيره من قضاة الأمصار لم يبر ، وإن قال : إلى قاض ، بحذف الألف واللام ، وجاز أن يرفعه إلى من شاء من قضاة الأمصار ، وكان يرفعه إليه بارا ، لأن دخول الألف واللام تعريف وحذفها إبهام ، والله أعلم .