الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثغر ]

                                                          ثغر : الثغر والثغرة : كل فرجة في جبل أو بطن واد أو طريق مسلوك ; وقال طلق بن عدي يصف ظليما ورئاله :


                                                          صعل لجوج ولها ملج بهن كل ثغرة يشج     كأنه قدامهن برج

                                                          ابن سيده : الثغر كل جوبة منفتحة أو عورة . غيره : والثغرة الثلمة ، يقال : ثغرناهم أي : سددنا عليهم ثلم الجبل ; قال ابن مقبل :


                                                          وهم ثغروا أقرانهم بمضرس     وعضب وحازوا القوم حتى تزحزحوا

                                                          وهذه مدينة فيها ثغر وثلم ، والثغر : ما يلي دار الحرب . والثغر : [ ص: 23 ] موضع المخافة من فروج البلدان . وفي الحديث : فلما مر الأجل قفل أهل ذلك الثغر ; قال : الثغر الموضع الذي يكون حدا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار ، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد . وفي حديث فتح قيسارية : وقد ثغروا منها ثغرة واحدة ; الثغرة : الثلمة . والثغر : الفم وقيل : هو اسم الأسنان كلها ما دامت في منابتها قبل أن تسقط ، وقيل : هي الأسنان كلها ، كن في منابتها أو لم يكن ، وقيل : هو مقدم الأسنان ; قال :


                                                          لها ثنايا أربع حسان     وأربع فثغرها ثمان

                                                          جعل الثغر ثمانيا ، أربعا في أعلى الفم وأربعا في أسفله ، والجمع من ذلك كله ثغور . وثغره : كسر أسنانه ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد لجرير :


                                                          متى ألق مثغورا على سوء ثغره     أضع فوق ما أبقى الرياحي مبردا

                                                          وقيل : ثغر وأثغر دق فمه . وثغر الغلام ثغرا : سقطت أسنانه الرواضع ، فهو مثغور . واثغر واتغر وادغر ، على البدل : نبتت أسنانه ، والأصل في اتغر اثتغر ، قلبت التاء ثاء ثم أدغمت ، وإن شئت قلت : اتغر بجعل الحرف الأصلي هو الظاهر . أبو زيد : إذا سقطت رواضع الصبي قيل : ثغر فهو مثغور ، فإذا نبتت أسنانه بعد السقوط قيل : اثغر - بتشديد الثاء - واتغر - بتشديد التاء - ، وروي اثتغر وهو افتعل من الثغر ومنهم من يقلب تاء الافتعال ثاء ويدغم فيها الثاء الأصلية ، ومنهم من يقلب الثاء الأصلية تاء ويدغمها في تاء الافتعال ، وخص بعضهم بالاثغار والاتغار البهيمة ; أنشد ثعلب في صفة فرس :


                                                          قارح قد فر عنه جانب     ورباع جانب لم يتغر

                                                          وقيل : اثغر الغلام نبت ثغره ، واتغر : ألقى ثغره ، وثغرته : كسرت ثغره . وقال شمر : الاثغار يكون في النبات والسقوط ، ومن النبات حديث الضحاك : أنه ولد وهو مثغر ، ومن السقوط حديث إبراهيم : كانوا يحبون أن يعلموا الصبي الصلاة إذا اثغر ، الاثغار : سقوط سن الصبي ونباتها ، والمراد به هاهنا السقوط ; وقال شمر : هو عندي في الحديث بمعنى السقوط ; يدل على ذلك ما رواه ابن المبارك بإسناده عن إبراهيم إذا ثغر ، وثغر لا يكون إلا بمعنى السقوط . وقال : وروي عن جابر : ليس في سن الصبي شيء إذا لم يثغر ; قال : ومعناه عنده النبات بعد السقوط . وفي حديث ابن عباس : أفتنا في دابة ترعى الشجر في كرش لم تثغر أي : لم تسقط أسنانها . وحكي عن الأصمعي أنه قال : إذا وقع مقدم الفم من الصبي قيل : اتغر - بالتاء - فإذا قلع من الرجل بعدما يسن ، قيل : قد ثغر - بالثاء - فهو مثغور . الهجيمي : ثغرت سنه نزعتها . واتغر : نبت ، واثغر : سقط ونبت جميعا ; قال الكميت :


                                                          تبين فيه الناس قبل اتغاره     مكارم أربى فوق مثل مثالها

                                                          قال شمر : اتغاره سقوط أسنانه ; قال : ومن الناس من لا يتغر أبدا ; روي أن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس لم يتغر قط ، وأنه دخل قبره بأسنان الصبا وما نغض له سن قط حتى فارق الدنيا مع ما بلغ من العمر ; وقال المرار العدوي :


                                                          قارح قد مر منه جانب     ورباع جانب لم يتغر

                                                          وقال أبو زبيد يصف أنياب الأسد :


                                                          شبالا وأشباه الزجاج مغاولا     مطلن ولم يلقين في الرأس مثغرا

                                                          قال : مثغرا منفذا فأقمن مكانهن من فمه ; يقول : إنه لم يتغر فيخلف سنا بعد سن كسائر الحيوان . قال الأزهري : أصل الثغر الكسر والهدم . وثغرت الجدار إذا هدمته ، ومنه قيل للموضع الذي تخاف أن يأتيك العدو منه في جبل أو حصن : ثغر لانثلامه وإمكان دخول العدو منه . والثغرة : نقرة النحر . والثغيرة : الناحية من الأرض . يقال : ما بتلك الثغرة مثله . وثغر المجد : طرقه ، واحدتها ثغرة ; قال الأزهري : وكل طريق يلتحبه الناس بسهولة ، فهو ثغرة ، وذلك أن سالكيه يثغرون وجهه ويجدون فيه شركا محفورة . والثغرة - بالضم - : نقرة النحر ، وفي المحكم : والثغرة من النحر الهزمة التي بين الترقوتين ، وقيل : التي في المنحر ; وقيل : هي الهزمة التي ينحر منها البعير ، وهي من الفرس فوق الجؤجؤ ، والجؤجؤ : ما نتأ من نحره بين أعالي الفهدتين . وفي حديث عمر : تستبق إلى ثغرة ثنية . وحديث أبي بكر والنسابة : أمكنت من سواء الثغرة أي : وسط الثغرة ، وهي نقرة النحر فوق الصدر . والحديث الآخر : بادروا ثغر المسجد ; أي : طرائقه ; وقيل : ثغرة المسجد أعلاه . والثغرة : من خيار العشب ، وهي خضراء ; وقيل : غبراء تضخم حتى تصير كأنها زنبيل مكفأ مما يركبها من الورق والغصنة ، وورقها على طول الأظافير وعرضها ، وفيها ملحة قليلة مع خضرتها ، وزهرتها بيضاء ، ينبت لها غصنة في أصل واحد ، وهي تنبت في جلد الأرض ولا تنبت في الرمل ، والإبل تأكلها أكلا شديدا ، ولها أرك أي : تقيم الإبل فيها وتعاود أكلها ، وجمعها ثغر ; قال كثير :


                                                          وفاضت دموع العين حتى كأنما     براد القذى من يابس الثغر يكحل

                                                          وأنشد في التهذيب :


                                                          وكحل بها من يابس الثغر مولع     وما ذاك إلا أن نآها خليلها

                                                          قال : ولها زغب خشن ، وكذلك الخمخم أي : له زغب خشن ، ويوضع الثغر والخمخم في العين . قال الأزهري : ورأيت في البادية نباتا يقال له : الثغر ، وربما خفف فيقال : ثغر ; قال الراجز :


                                                          أفانيا ثعدا وثغرا ناعما

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية